قصص الأولياء: قصص كرامات الصالحين

تعد قصص الأولياء وكرامات الصالحين جزءًا لا يتجزأ من التراث الإسلامي، حيث تمثل هذه الكرامات هبات إلهية وأموراً خارقة للعادة يجريها الله على أيدي عباده المتقين إكراماً لهم وتأييداً لصدقهم واستقامتهم على منهج الحق. علاوة على ذلك هذه القصص دروس بليغة تؤكد عظمة القدرة الإلهية، وتظهر صدق وعد الله لأوليائه المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون.
الفضيل بن عياض: من قطاع الطرق إلى الهداية
قصص الأولياء
اشتهر الفضيل بن عياض رحمه الله بقصة توبته المؤثرة وتحوله من قاطع طريق مشهور وذي هيبة إلى إمام جليل من أئمة الزهاد والعلماء، وعابد الحرمين. كان الفضيل في شبابه قاطع طريق بين أبيورد وسرخس، وكانت له وقائع كثيرة في الاعتداء على القوافل وسلب أموال الحجاج. ومن أشهر القصص حول توبته:
- سماعه لآية قرآنية: أنه كان يهوى جارية، وبينما كان يتسلق الجدار ليصل إليها، سمع قارئًا يتلو قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: 16]. فاهتز قلبه وقال: “بلى يا رب، قد آن”، فنزل عن الجدار تائبًا.
- خوف المسافرين منه: يذكر أنه آواه الليل إلى خربة فيها مسافرون، فسمع بعضهم يقول لبعض: “نرحل”، وقال آخر: “حتى نصبح؛ فإن الفضيل على الطريق يقطع علينا”. ففكر في نفسه وقال: “أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هنا يخافونني! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع”، فعزم على التوبة، وجعل توبته مجاورة البيت الحرام (مكة المكرمة).
بعد توبته الصادقة، تحول الفضيل بن عياض إلى عالم وعابد وزاهد، وتلقى العلم وبرع فيه حتى أصبح يعرف بـ “عابد الحرمين“، وصار يضرب به المثل في الخشوع والزهد والورع، وصار طلاب العلم والأمراء والزهاد يقصدونه للاستفادة من علمه ونصحه.
هل الأولياء لهم معجزات؟
ليس للأولياء معجزات؛ فالمعجزة خاصة بـ الأنبياء والرسل فقط، وغرضها إثبات صدق النبوة والرسالة والتحدي. أما الكرامة للأولياء والصالحين (أتباع الأنبياء). وغرضها إكرام الولي وتأييده في استقامته على دين نبيه
تعرف أيضًا على: قصص العلم: علماء الإسلام عبر العصور

إبراهيم بن أدهم: الأمير الزاهد
قصص الأولياء
إبراهيم بن أدهم هو أبو إسحاق، إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي (ت 161 هـ تقريباً)، وهو من كبار الزهاد والعباد في زمن التابعين، واشتهر بـ الأمير الزاهد بسبب قصته في ترك الملك والتنعم طلبًا للآخرة. كان إبراهيم بن أدهم من أبناء ملوك أو مياسير بلخ (في أفغانستان حاليًا) وذوي الحسب والشرف. نشأ في رغد العيش والترف الذي كان يحيط بأهل الملك والأمراء.
قصة توبته واعتزاله الدنيا
كان أبوه من الملوك المياسير، وكان إبراهيم يحب الصيد، وبينما كان يركب فرسه في الصيد، سمع نداءً من ورائه يقول: “ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت” قيل إن هذا النداء تكرر ثلاث مرات، وفي رواية أخرى قيل إنه كان صوتًا يأتي من قربوس سرجه. فآمن إبراهيم بأن هذا النداء هو نذير من رب العالمين، فترك فرسه وسلاح صيده، وعاد إلى أهله. والتقى براعي لأبيه، فألقى إليه حلل الإمارة وكل ما يلبسه من حلي، وأخذ منه ملابسه الخشنة والقديمة، ولبسها، وهام على وجهه في الأرض عازمًا على التوبة والزهد.
حياته بعد التوبة
بعد توبته، هجر إبراهيم بن أدهم حياة الترف والجاه، واتخذ طريق الزهد والعبادة والعمل باليد ليأكل من كسبه الحلال، فاشتغل بمهن بسيطة مثل الحصاد وحراسة البساتين. فاشتهر بزهده الشديد وتفانيه في العبادة، حتى قيل عنه: “لو كان في الصحابة لكان رجلاً فاضلاً”. علاوة على ذلك كان من الفقهاء، وسمع وروى الحديث عن عدد من الشيوخ. ومن أقواله المأثورة: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد“. وكان كثير الدعاء: “اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك“.
تعرف أيضًا على: قصص التابعين: ورثة الصحابة وحملة العلم

معروف الكرخي: ولي من أولياء الله
أبو محفوظ، معروف بن فيروز الكرخي، هو من كبار الزهاد والأولياء الصالحين، وممن اشتهروا في بغداد بـ استجابة الدعوة والكرامات، وكان يعرف بـ بركة العصر.
إسلامه وتحوله
عندما كان معروف صغيرًا، أسلمه والداه إلى مؤدب نصراني. كان المؤدب يلقنه أن يقول: ثالث ثلاثة، فكان معروف يرفض ويرد عليه: بل هو الواحد الصمد، فضربه المؤدب ضربًا شديدًا، ففر هاربًا منه ومن والديه، وبعد فترة، عاد معروف إلى والديه وهو مسلم، فسألاه على أي دين هو، فقال: “على دين الإسلام“. فأسلمت أمه وأسلم معه سائر أهله. ويقال إنه أسلم على يد الإمام علي بن موسى الرضا. كما يروى أن والديه كانا يقولان: “لئن عاد إلينا معروف لنتبعنه على دينه”، فدعا الأب الله قائلًا: “اللهم إن السماء سماؤك والأرض أرضك، وما بينهما لك، فأت بولدي”، فإذا بمعروف عند الباب.
زهده ومكانته
اشتهر معروف الكرخي بالزهد الشديد وقلة الحرص على الدنيا، وكان أستاذًا للشيخ سري السقطي خال ومرشد الجنيد البغدادي، كما عرف باستجابة دعائه، حتى كان الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) ممن يختلفون إليه ويقصده الناس. يقول البغداديون فيه: “قبر معروف ترياق مجرب“. علاوة على ذلك يقصدون أن التبرك به والدعاء عنده سبب لقضاء الحوائج، وقبره اليوم في بغداد يزار.
تعرف أيضًا على: قصص الأطفال: أطفال صنعوا التاريخ الإسلامي
من أقواله البليغة:
- سئل عن الطائعين بأي شيء قدروا على الطاعة؟ قال: “بخروج الدنيا من قلوبهم، ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة“.
- كان يوصي المغتاب: “اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك“.

سري السقطي: التاجر الصوفي
أبو الحسن، السري بن المغلس السقطي هو من أئمة الصوفية وكبار شيوخ بغداد في عصره، وهو من أوائل من تكلم في علم التوحيد وحقائق الأحوال في العراق. علاوة على ذلك لقب بـ التاجر الصوفي لأنه بدأ حياته تاجرًا في السوق، قبل أن يترك الدنيا ويتفرغ للعبادة.
كان السري السقطي في بداية أمره تاجرًا في سوق السقط ، ومن هنا جاء لقبه السقطي. وله في التوبة قصة شهيرة مع أستاذه معروف الكرخي:
بينما كان السري في حانوته، مر به شيخه معروف الكرخي ومعه صبي يتيم، قال معروف للسري: (اكس هذا اليتيم). فقام السري وكساه، ففرح به معروف. رفع معروف يديه ودعا له: بغض الله إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه. يقول السري: “فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إلي من الدنيا، وما أنا فيه الآن من بركات معروف”.
تعرف أيضًا على: قصص الإسراء والمعراج: أعجب الرحلات
مناقبه وزهده
اشتهر السري السقطي بالورع الشديد والزهد وتصفية القلب من شوائب الدنيا، وهو خال الإمام الجنيد البغدادي وأستاذه، وتخرج على يديه الكثير من أئمة التصوف، ويروى أنه استغفر لله ثلاثين سنة من قوله “الحمد لله” مرة واحدة. والسبب أنه وقع حريق في بغداد، فجاءه رجل وقال له: “نجا حانوتك”، فقال السري: “الحمد لله“. فندم على ذلك، لأنه خشي أن يكون قوله هذا قدم نجاته الخاصة على مصيبة عامة المسلمين. ومن أشهر أقواله التي تدل على تجرده:
أعرف طريقًا مختصرًا قصدًا إلى الجنة: لا تسأل أحدًا شيئًا، ولا تأخذ من أحد شيئًا، ولا يكن معك شيء تعطي منه أحدًا.
من كرامات أولياء الله؟
- نزول الملائكة: في حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه، قرأ سورة الكهف فنزل عليه شيء كالمظلة فيه سرج كأنها السرج على الخيل، وهي في الحقيقة ملائكة استمعت لقراءته.
- تسبيح الطعام: تسبيح ما في صحفة الطعام الذي كان يأكله سلمان وأبو الدرداء، وهذا يدل على اتصال الروح بالجمادات وتسبحها لله. [1]
ذي النون المصري: صاحب الكرامات
قصص الأولياء
أبو الفيض، ثوبان بن إبراهيم، هو من أبرز أعلام الصوفية في القرن الثالث الهجري، ويعد مؤسسًا للمدرسة الصوفية المصرية في عصره. بالإضافة إلى ذلك أول من وضع تعريفات منهجية للمقامات والأحوال الصوفية في مصر والعراق، ويعرف بـ “صاحب الكرامات” و “السائح في أرض الله”.
ولد في أخميم بصعيد مصر حوالي سنة 179 هـ، ولم يكن مجرد صوفي؛ بل كان محدثًا وفقيهًا؛ روى عن كبار الأئمة مثل الإمام مالك بن أنس والليث بن سعد. علاوة على ذلك ينسب إليه أنه كان أول من فك رموز الأبجدية الهيروغليفية قبل شامبليون بقرون، وكان على دراية واسعة بـ علوم الكيمياء. وهو أول من أظهر في مصر لسان التوحيد والمعرفة بالمعنى الصوفي، وأول من عرف المصطلحات الصوفية الأساسية مثل المقامات والأحوال والوجد والسماع.
تعرف أيضًا على: انتصارات الإسلام: قصص الفتوحات
كراماته ومناقبه
اشتهر ذو النون بكثرة سياحته وكراماته العظيمة التي نقلها أهل عصره، ومن أبرزها:

- المشي على الماء: تروى عنه قصة مشيه على الماء عندما أراد أن يتبع أحد الفقراء الصالحين الذي سبقه على وجه البحر على بساط الصلاة.
- إظلال الطير لجنازته: يروى أنه عند وفاته في الجيزة، رفعت جنازته، فكانت الطيور الخضراء تظلل نعشه حتى دفن في القرافة بمصر، وشاع ذلك بين الناس، فاحترموه بعد وفاته بعد أن كان بعضهم يتهمه.
- قدرة الدعاء: تحكى عنه قصص عديدة في استجابة دعائه، منها ما يتعلق بقضاء حوائج الناس، وتوجيهه إلى اسم الله الأعظم.
من أقواله في المعرفة والتوبة
سئل عن التوبة فقال: توبة العوام تكون من الذنوب، وتوبة الخواص تكون من الغفلة.
و في الزهد قال: لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعامًا.
توفي ذو النون المصري سنة 245 هـ في الجيزة، وكان لوفاته مهابة عظيمة، وقبره معروف في مقبرة القرافة بمصر. [2]
تعرف أيضًا على: تابعون غير معروفين: جيل الخلف الراشد
وفي الختام، تبقى قصص الأولياء شهادة حية على العلاقة الخاصة بين العبد وربه، ومثالاً ساطعاً على ثمرة الإيمان العميق والتقوى الصادقة. علاوة على ذلك هذه الكرامات، سواء كانت مشي على الماء، أو استجابة فورية للدعاء، أو إخباراً بالغيب، تذكرنا دائماً بأن أفضل كرامة هي الاستقامة على شريعة الله وسنة نبيه.
الأسئلة الشائعة
س: من هم الأولياء؟
ج: الأولياء هم عباد الله الصالحون الذين تقربوا إليه بالطاعة والإخلاص حتى أحبهم ورفع شأنهم، كما قال تعالى: “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.”
س: ما المقصود بالكرامات؟
ج: الكرامات هي أمور خارقة للعادة يمنحها الله لعباده الصالحين تكريمًا لهم أو نصرةً للحق، وليست دليلًا على النبوة بل على الإيمان.
س: هل الكرامات مستمرة في زماننا؟
ج: نعم، فكرامة الله لا تنقطع، وهي تظهر حيث يوجد الإخلاص واليقين الصادق بالله.
تعرف أيضًا على: حكماء الإسلام: الجمع بين الحكمة والشريعة
س: هل يجوز التحدث عن كرامات الأولياء؟
ج: يجوز ذكرها إن كانت صحيحة وتهدف إلى زيادة الإيمان والعبرة، دون غلو أو تقديس مفرط للأشخاص.
س: ما الهدف من قراءة قصص الأولياء؟
ج: الهدف هو استلهام الإيمان، والاقتداء بأخلاقهم وزهدهم، وتقوية العلاقة بالله من خلال قصص الصدق واليقين التي عاشوها.
المراجع
- Aale qutub Hazrat Sirri Saqati _ بتصرف
- Independent philosophyTHE EGYPTIAN SUFI DHU'L NUN AL-MISRI _ بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

قصص العلم: علماء الإسلام عبر العصور

تابعون غير معروفين: جيل الخلف الراشد

قصص التابعين: ورثة الصحابة وحملة العلم

قصص الأطفال: أطفال صنعوا التاريخ الإسلامي

قصص الإسراء والمعراج: أعجب الرحلات

انتصارات الإسلام: قصص الفتوحات

أئمة المساجد: قادة الصلاة والجماعة

بدر الكبرى: أول معركة فاصلة في الإسلام

خيبر: فتح الحصون المنيعة

معركة عين جالوت: وقف المد المغولي

حكماء الإسلام: الجمع بين الحكمة والشريعة

معركة بلغراد: المفتاح إلى أوروبا

معركة بلاط الشهداء: نهاية التوسع الإسلامي في أوروبا

مسافرو العالم الإسلامي: من دافع عن الإسلام
















