قائدات إسلاميات: نساء قدن الجيوش

على مرّ التاريخ، برزت قائدات إسلاميات جسّدن معاني القوة و الإيمان، وجمعن بين الشجاعة والعقل والحكمة. لم يقتصر دورهن على البيت أو الكلمة، بل حملن رايات العزّ وكتبن أسماءهن في ميادين البطولة. قصصهن هي شهادة حية على أن البطولة و الشجاعة ليست حكراً على الرجال، وأن المرأة المسلمة كانت فارسة وقائدة شاركت بفعالية في صنع القرار وحماية الدولة، تاركة بصمة لا تُمحى في سجل المجد الحربي.
الخنساء: شاعرة وقائدة في معركة القادسية
تُعدُّ الخنساء، واسمها الحقيقي تُماضِر بنت عمرو بن الحارث السُّلمية، من أشهر قائدات إسلاميات. وشاعرات العرب وأكثرهن شهرة في الرثاء، وهي صحابية جليلة أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت وحَسُن إسلامها. اشتهرت الخنساء بشعرها، وخاصة رثاؤها المؤثر لأخويها صخر ومعاوية اللذين قُتلا في الجاهلية. كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه شعرها ويستنشدها إياه بقوله: “هيه يا خناس”.
موقفها في معركة القادسية

دورها في القادسية
لم تكن الخنساء قائدة عسكرية بالمعنى المباشر في معركة القادسية، بل كان دورها يتمثل في التحريض على الجهاد وتثبيت أبنائها على القتال في سبيل الله.أبناؤها الشهداء
حضرت الخنساء معركة القادسية (سنة 15 هـ أو 16 هـ)، وكان معها أبناؤها الأربعة الذين حثتهم على القتال قبل المعركة بكلمات بليغة، تذكرهم فيها بفضل الإسلام والجهاد.
استشهاد الأبناء
استشهد أبناؤها الأربعة جميعاً في المعركة.
صبرها واحتسابها
عندما بلغها خبر استشهادهم، لم تجزع ولم تنُحْ كعادتها في الجاهلية، بل قالت قولتها الشهيرة التي تبرز تحولها بالإسلام:
“الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته“.
أم حكيم: بطلة معركة اليرموك
اشتهرت أم حكيم بموقف بطولي فريد خلال معارك فتوح الشام، وتحديداً في معركة قُبيل اليرموك تُعرف باسم مرج الصُفَّر، وقد واصلت دورها في تثبيت الجيش في اليرموك. وهي من أشهر قائدات إسلاميات.
كانت أم حكيم زوجة عكرمة بن أبي جهل، الذي استُشهد في اليرموك. بعد استشهاد عكرمة، تزوجت من خالد بن سعيد بن العاص، وعُقد عليها في طريقهما إلى الشام. في موقعة مرج الصُفَّر، بعد زواجها مباشرة وقبل دخولها بزوجها، استطاع الروم مباغتة المسلمين، فاستُشهد زوجها خالد بن سعيد في المعركة. وهنا تجلَّت شجاعتها عندما اندفع الروم نحو خيمتها، فخرجت أم حكيم وهي تحمل عمود الخيمة، وقاتلت به قتالاً عظيماً، وتمكنت من قتل سبعة من الروم وهي تحمي نفسها ومعسكر المسلمين. وأصبحت هذه الحادثة رمزاً لبطولة النساء المسلمات في الدفاع عن معسكراتهن وعن الدين.
دورها في معركة اليرموك الكبرى
في معركة اليرموك الحاسمة، كان دور النساء المسلمات عموماً، ومن ضمنهن أم حكيم، حاسماً ومؤثراً، فاعندما حاول بعض جنود المسلمين التراجع والفرار من ضغط الروم، كانت النساء، ومن بينهن هند بنت عتبة وغيرهن، يقمن بتحريض الرجال على القتال وتوبيخهم على التراجع، ويضربن المنهزمين بالسيوف وأعمدة الخيام لدفعهم للعودة إلى الصفوف. ساهم هذا الثبات النسائي العظيم في إعادة تنظيم صفوف المسلمين وتحويل دفة القتال لصالحهم.[1]
تعرف أيضًا على: علماء مغمورون: منارات في الظلام

نسيبة بنت كعب: المدافعة عن النبي في أحد
تُعرف الصحابية الجليلة نُسَيْبَة بنت كعب المازنية الأنصارية، بـ أم عمارة. من الـ قائدات إسلاميات وهي إحدى النساء القلائل اللاتي شاركن في بيعة العقبة الثانية، وأشهر ما خلد اسمها هو دفاعها المستميت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد في السنة الثالثة للهجرة.
موقفها الأسطوري في غزوة أُحد
في غزوة أُحد، بعد أن خالَف الرماةُ أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم، تحول النصر إلى هزيمة مؤقتة، وتفرَّق الناس عن النبي إلا القليل. هنا برز دور أم عمارة ببطولة نادرة، حيث بدأت أم عمارة المعركة كغيرها من النساء، تسقي الجرحى وتداوي المصابين. وعندما رأت تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدّم المشركين نحوه، ألقت سقاءها (الوعاء المصنوع من الجلد لحمل الماء) وسيفها وتوجهت مباشرة للدفاع عن رسول الله. وقفت أم عمارة وزوجها وولداها يقاتلون ويذودون عن النبي. وكانت هي من أكثر المدافعين شجاعة وبسالة. رُوي أنها كانت تتلقى الضربات بنفسها وتحول بين السيوف والنبي صلى الله عليه وسلم. ومن عظمة موقفها، قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني. وقال أيضاً: لَمقامُ نُسيبة بنت كعب خير من مقام فلان وفلان.
أُصيبت أم عمارة بجروح عديدة، قيل إنها بلغت اثني عشر جرحاً أو أكثر، وكان أشدها جرحاً غائراً في كتفها، وعندما رأت ابنها يُصاب، ربطت جرحه بسرعة وطلبت منه أن يستمر في القتال والدفاع عن رسول الله. سألها النبي في ساحة المعركة: سَلِيني يا أم عمارة، فقالت: أسألك رفقتك في الجنة يا رسول الله. فدعا لها النبي قائلاً: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، ففرحت وقالت: “ما أبالي ما أصابني من الدنيا بعد هذا الدعاء”.
تعرف أيضًا على: صحابة غير مشهورين: أبطال مجهولون
ست الملك: الحاكمة الفعلية للدولة الفاطمية
الأميرة سِتّ الملْك هي بالفعل من أبرز الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي التي مارست السلطة الفعلية المطلقة في حكم الدولة. خاصة في فترة الدولة الفاطمية في مصر.
اسمها الكامل ست المُلك بنت نزار العزيز بالله، هي أخت الخليفة السادس الحاكم بأمر الله، وعمّة الخليفة السابع الظاهر لإعزاز دين الله. فترة نفوذها من 1021 م إلى 1023 م حوالي عامين وثلاثة أشهر. بعد اختفاء أخيها الحاكم بأمر الله الغامض (يُرجح كثير من المؤرخين أنها دبرت مقتله)، نصّبت ابن أخيها الظاهر لإعزاز دين الله وكان طفلاً أو صغيراً في السن خليفةً، وأصبحت هي الوصية والحاكمة الفعلية للبلاد.
أبرز إنجازاتها السياسية
خلال فترة حكمها الفعلي (الوصاية على ابن أخيها)، أظهرت ست الملك حنكة سياسية عظيمة، وقامت بعدة إصلاحات جذرية:
- إلغاء المراسيم الغريبة: ألغت العديد من القوانين والمراسيم الغريبة والمتشددة التي كان قد فرضها أخوها الحاكم بأمر الله في السنوات الأخيرة من حكمه، مما أعاد الاستقرار إلى حياة الناس.
- القضاء على الفتن والمنافسين: تخلّصت بذكاء من كبار المنافسين والأشخاص الذين شاركوها في ترتيب أمر الخلافة، لتنصرف إليها السلطة بالكامل.
- اضطهاد الدروز: اضطهدت بشدة الطائفة الدرزية التي آمنت بألوهية أخيها الحاكم بأمر الله، وأزالتهم تماماً من مصر (البعض يرى ذلك خطوة لتوحيد الرأي السياسي حول الخليفة الجديد).
- تحسين العلاقات الخارجية: عملت على تهدئة الاضطرابات والتوترات مع الإمبراطورية البيزنطية، لاسيما فيما يتعلق بملكية حلب والشام.
تعد ست الملك واحدة من أذكى النساء في تاريخ العصر الفاطمي، والتي حكمت فعلياً بقوة شخصيتها وذكائها. وأعادت الاستقرار للدولة بعد فترة من الغموض والاضطراب في عهد أخيها.[2]
تعرف أيضًا على: مجددو الإسلام: من أحيوا سنة وأماتوا بدعة

قائدة المقاومة في شمال أفريقيا
تاريخ شمال إفريقيا غني بالشخصيات النسائية القوية التي قادت المقاومة، لكن الاسم الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن “قائدة المقاومة في شمال إفريقيا“ هو:
الكاهنة ديهيا
تعد الكاهنة ديهيا الرمز الأقدم والأكثر شهرة للمقاومة النسائية في شمال إفريقيا ضد الغزو الأجنبي. كانت ملكة للأمازيغ في منطقة الأوراس وتعرف بـ ملكة جبال الأوراس. كما قادت المقاومة ضد الجيوش الإسلامية الفاتحة لشمال إفريقيا، واشتهرت بانتصاراتها الأولية عليها، حيث هزمتهم في معارك كبيرة وأجبرتهم على الانسحاب من بعض المناطق. ويصفها المؤرخون بأنها كانت ذات شخصية قوية وحنكة عسكرية. وتعتبر رمزاً للقوة والسيادة الأمازيغية.
لالة فاطمة نسومر (شخصية بارزة أخرى في المقاومة الحديثة)
قائدة المقاومة في العصر الحديث ضد الاستعمار الأوروبي. هي الشخصية الأبرز: لالة فاطمة نسومر. كانت قائدة في القرن التاسع عشر (المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر). في منطقة القبائل في الجزائر (جرجرة). قادت المقاومة الشعبية المسلحة في منطقة القبائل، وحققت انتصارات هامة على القوات الفرنسية. حتى أطلق عليها الفرنسيون لقب جان دارك جرجرة تشبيهاً بالبطلة القومية الفرنسية جان دارك.
تعرف أيضًا على: جواسيس المسلمين: عيون الجيوش
في الختام، فإن استعراض مسيرة هؤلاء قائدات إسلاميات. يؤكد حقيقة تاريخية وهي أن الإسلام أتاح للمرأة مساحة واسعة للمشاركة والقيادة، حتى في أصعب وأخطر المجالات كساحة المعركة. إن أسماء مثل نسيبة بنت كعب، الكاهنة ديهيا، وست الملك تظل رموزاً خالدة للذكاء الاستراتيجي و الشجاعة النادرة. لتلهم الأجيال بأن القيادة الحقيقية تنبع من العزيمة والإرادة، لا من النوع.
الأسئلة الشائعة
س1: هل شاركت النساء فعلًا في قيادة الجيوش في التاريخ الإسلامي؟
ج: نعم، فقد اشتهرت بعض النساء بقيادتهن أو مشاركتهن الفاعلة في الحروب. سواء في الدفاع عن المدن أو في ساحات الجهاد ضد الأعداء.
س2: من أبرز القائدات المسلمات في التاريخ؟
ج: من أشهرهن:
- خولة بنت الأزور: مقاتلة شجاعة في معارك الشام زمن خالد بن الوليد.
- أروى الصليحية: ملكة اليمن، جمعت بين الحكم والسياسة والقيادة.
- زينب بنت علي: لم تكن قائدة عسكرية لكنها قادت ثورة الوعي بعد كربلاء.
- أسماء بنت يزيد: شاركت في معركة اليرموك بشجاعة نادرة.
س3: ما الذي ميّز قيادة هؤلاء النسوة؟
ج: جمعن بين الإيمان الراسخ، والذكاء. والجرأة في الدفاع عن الحق، والتأثير في الجنود بالثبات والعزم.
س4: كيف نظر الإسلام إلى دور المرأة في الميدان؟
ج: الإسلام أقرّ دور المرأة في حماية الدين والمجتمع. سواء بالمشاركة في المعارك أو بدعم المجاهدين بالتمريض والتموين والرأي.
س5: ما الدروس التي نستفيدها من سير القائدات الإسلاميات؟
ج: أن الإرادة والإيمان لا يعرفان جنسًا. وأن المرأة المسلمة قادرة على أن تكون رمزًا للقوة والعطاء والقيادة في ميادين مختلفة.
المراجع
- Historica Umm Hakim _بتصرف
- Team queensSitt al-Mulk_ بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

فتح الأندلس فتح شبه الجزيرة الأيبيرية

علماء مغمورون: منارات في الظلام

صحابة غير مشهورين: أبطال مجهولون

مجددو الإسلام: من أحيوا سنة وأماتوا بدعة

جواسيس المسلمين: عيون الجيوش

حراس الثغور: من دافع عن حدود الإسلام

معركة فيينا: نهاية التوسع العثماني

تجار المسلمين: الجمع بين التجارة والدعوة

أنبياء أقل شهرة: رسل منسيون في القرآن

معركة جالديران: الصراع العثماني الصفوي

اليرموك بداية الفتوحات الإسلامية

معركة الأرك: انتصار الموحدين في الأندلس

قصص الرحمة: قصص في العطف والشفقة

قصص المعجزات: معجزات الأنبياء والرسل

















