الحسن البصري: الزاهد الفقيه وناصح الخلفاء

يعتبر الحسن البصري من أبرز الشخصيات التي أضاءت سماء التابعين، وقطبًا رئيسيًا في تاريخ الإسلام في بداياته. هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري. ولد في المدينة المنورة سنة 21 هجرية (642 ميلادية) كان الحسن البصري طيلة أيامه منارةً للعلم والورع. واشتهر بجرأته في قول الحق ونصحه للولاة والأمراء، الأمر الذي أكسبه احترام الجميع وتقديرهم. والغرض من هذا المقال هو تسليط الضوء على جوانب متعددة من حياة هذه الشخصية القديرة. والإجابة على الأسئلة المتداولة حول توجهه الفكري، موقفه من التصوف، علاقته بالصحابة. وكذلك ردة فعله عند وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي.
هل الحسن البصري سني أم شيعي؟

تعدّ مسألة عقيدة الحسن البصري المذهبي محل جدال وبحث. خصوصاً في ضوء التباينات المذهبية التي بدأت تظهر في زمانه والعهود التي تلته، ولفهم وجهة نظره. لابد من النظر في الإطار الزمني والديني الذي نشأ فيه.
تبين المراجع التاريخية ومؤلفات السير والتراجم أن الحسن البصري كان من أبرز أئمة أهل السنة والجماعة. ومن علماء التابعين الذين ساروا على نهج السلف الصالح. كان يحثّ على التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية، والاقتداء بما كان عليه الصحابة الأجلاء. عرف بمواقفه الصريحة ضد البدع والأهواء، ودعوته إلى الوحدة والاجتماع، وتجنبه للفرقة والخلاف.
على الرغم من الصلة الوثيقة التي ربطت الحسن البصري وعلي بن أبي طالب، حيث كان من تلامذته وروى عنه. فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه شيعي بالمعنى الاصطلاحي الدقيق للمفهوم الذي ظهر لاحقًا. فالشيعة كمذهب سياسي وديني لم تتضح معالمه الفقهية. والعقدية بصفة كاملة إلا بعد مرور فترة زمنية على وفاة الحسن البصري.
كان الحسن البصري من محبي آل البيت ومناصريهم، غير أنه لم يؤمن بعصمة الأئمة. ولا بحصر الإمامة في ذرية محددة بالصورة التي تطورت لاحقًا لدى الشيعة الاثني عشرية. لذلك كانت عقيدة الحسن البصري متطابقة تمامًا مع ما استقر عليه أهل السنة والجماعة. من الإيمان بالصحابة وتفضيلهم بحسب مراتبهم، والالتزام بالسنة النبوية. وعدم الخروج على الحكام إلا في حالة ارتكابهم لكفر صريح وواضح. [1]
تعرف أيضًا على: الإمام النسائي: فقيه الحديث وصاحب السنن الكبرى
هل الحسن البصري صوفي؟
إن الخوض في علاقة الحسن البصري بالتصوف يستوجب تبيان ماهية “التصوف” ذاته. لاسيما وأن هذا الاصطلاح قد طرأ عليه التغيير عبر الفترات.
يحسب الحسن البصري من بين الأعيان البارزين الذين يرى فيهم الرياديون والمتبصرون الأوائل للزهد. وقادة السلوك القويم في الإسلام، حيث قد كان زاهدًا تقيًا. بالغ الخوف من الله وكثير العبادة وأيضاً ملازمًا للذكر والفكر، كما اتسمت حياته بالتقشف والزهد في ملذات الدنيا. وحث مريديه وتلاميذه على الزهد والورع والخشية من الله، كل هذه الخصائص هي جوهر ما أطلق عليه فيما بعد التصوف في بداياته. والذي كان يعني في الأصل التركيز على الجانب الروحي والأخلاقي. وتزكية النفس، والابتعاد عن الأهواء، والإقبال على العبادة.
لكن، لا يسعنا أن نطلق على الحسن البصري وصف “الصوفي” بالمعنى المتعارف عليه للمتصوفة الذين ظهروا في عصور متأخرة. والذين أسسوا طرقًا صوفية خاصة ذات شعائر وأوراد مميزة. أو الذين تبنوا بعض المفاهيم الفلسفية التي ظهرت في مراحل لاحقة من التصوف،
كان الحسن البصري أقرب إلى الزاهد الذي ينصب اهتمامه على التطبيق العملي للإسلام في حياته اليومية، وعلى تزكية النفس من خلال العبادات والأخلاق الحميدة، دون الانزواء في أي ممارسات أو معتقدات تخرج عن إطار الشريعة. كان تركيزه منصبًا على إصلاح القلوب والأعمال، والتحذير من الغفلة والركون إلى الدنيا. [2]
تعرف أيضًا على: مصعب بن عمير: أول سفير في الإسلام وبطل الدعوة في المدينة
هل أدرك الحسن البصري الصحابة؟
ولد الحسن البصري سنة إحدى وعشرين للهجرة، وذلك في أواخر أيام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعاصر فترة ازدهار الصحابة، ومن أبرز الصحابة الذين عاصرهم وروى عنهم:
- عثمان بن عفان
- علي بن أبي طالب
- طلحة بن عبيد الله
- الزبير بن العوام
- سعد بن أبي وقاص
- أبو موسى الأشعري
- أنس بن مالك
- عبد الله بن عمر
- عبد الله بن عباس، وغيرهم من الكرام.
هذا القرب جعله همزة وصل فريدة بين جيل الصحابة وجيل التابعين، فنقل عنهم علومًا جمّة في الفقه والحديث والأثر، لذلك يمكننا القول بأن الحسن البصري من أبرز من نقلوا عن الصحابة، حيث كان يعتبر مرجعًا معتمدًا في فقههم وسنتهم.
لم يقتصر لقاؤه بالصحابة على نقل الأحاديث، بل تعداه إلى تلقي العلم والأدب والأخلاق منهم، فكان يستمع إليهم، ويسألهم، ويقتدي بهم في مسلكهم في الحياة والعبادة، هذه الصحبة المباشرة مع جيل الصحابة هي التي منحت الحسن البصري مكانة مرموقة في العلم والفضل، وجعلت كلامه مؤثرًا ومحترمًا لدى الأمة، فكانت سيرته وعلمه امتدادًا لمنهج الصحابة الكرام في الزهد والورع والعبادة، لذا يعد من أبرز الأئمة الذين جسدوا منهج السلف الصالح.
تعرف أيضًا على: بحث عن ابن رشد الفيلسوف الإسلامي العقلاني
ماذا قال الحسن البصري عند موت الحجاج؟
عندما توفي الحجاج في العام 95 هـ، انتشر الخبر بين الناس، وعم الفرح والارتياح في أوساط الكثيرين الذين ذاقوا ويلات ظلمه، لذلك سأل الناس الحسن البصري عن رأيه في موت الحجاج، فأطلق كلمته الشهيرة التي تعبر عن فرحة المؤمن بزوال الطغيان، وهي: “اللهم أمته، فقد كان يحيي سنن الفراعنة!” أو قوله: “ماذا نصنع بمن قضى نحبه؟!” وفي رواية أخرى، قيل له: “إن الحجاج قد مات”، فسجد شكراً لله وقال: “الحمد لله الذي أمات الحجاج”. هذه العبارات، وإن كانت موجزة، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، فهي تعبر عن سعادة المسلمين بانتهاء عهد طاغية كان يفسد في الأرض، وتؤكد على أن الحسن البصري كان يقف مع الحق ضد الظلم، مهما كان صاحبه جباراً.
هذه الحكاية تؤكد على أن الحسن البصري كان ناصحاً أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، ويثبت على الحق في وجه الظلم والطغيان، حتى لو كلفه ذلك حياته.
ومن المسائل التي يتساءل عنها البعض في هذا السياق، من هي زوجة الحسن البصري وهل تزوج الحسن البصري، والجواب هو أنه تزوج وأنجب، ولكن المصادر لا تذكر تفاصيل كثيرة عن حياته الخاصة وزوجاته، لأن التركيز الأكبر كان منصباً على علمه وزهده ومواقفه الدينية.
تعرف أيضًا على: الإمام النووي: إمام الشافعية وصاحب “رياض الصالحين” و”الأربعين النووية”
في الختام، نكون قد تعرفنا على جوانب متعددة من حياة الإمام الزاهد، الفقيه الحسن البصري، وسعينا للإجابة على الأسئلة المطروحة حول هذه الشخصية البارزة، فقد اتضح لنا أنه كان من رموز أهل السنة والجماعة، ملتزمًا بالكتاب والسنة، وداعيًا إلى طريق السلف الصالح. بالإضافة إلى ذلك، أشرنا إلى أن زهده وورعه جعلاه من بين أوائل من عرفوا بالتصوف في مراحله الأولى، مركزًا على تنقية النفس والأخلاق، متجنبًا الممارسات التي ظهرت لاحقًا في التصوف، لم يكن الحسن البصري مجرد عالم وفقيه، بل كان قدوة في الزهد والتقوى، ومثالًا في الشجاعة في قول الحق، ولهذا يبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الأمة الإسلامية كأحد أعظم رجالاتها.
المراجع
- Islam and SufismHasan al-Basri-بتصرف
- the SufiSufi Biography: Hasan of Basra-بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ناصر القصبي ساخر السعودية الأول الذي فضح الواقع...

البراء بن مالك: بطل فتوحات العراق وصاحب الدعاء...

الحسن بن علي: سبط النبي الذي أطفأ نار...

آخر خلفاء الدولة الأموية

الأمير حمزة ومسيرته في الأردن

نور الشريف: بين السينما والتلفزيون، تاريخ من الإبداع

عبد الفتاح البرهان: قائد المرحلة الانتقالية في السودان

الإمام النسائي: فقيه الحديث وصاحب السنن الكبرى

الملك أحمس

عنترة بن شداد وصوت السيف: بطولة مكتوبة بالشعر

المعري وأسئلة بلا إجابة: شاعرٌ عبر حدود الزمن

الإمام مسلم: حافظ الحديث وواضع ثاني أصح كتاب...

حاتم الطائي: رمز الكرم العربي الذي خلدته الحكايات

الإمام الشافعي: مؤسس علم أصول الفقه وصاحب العقلية...
