الرياضة والفن: كيف ألهم الرياضيون الفنانون؟

تشكل الرياضة والفن ثنائيًا خالدًا، بينما تتجاوز الرياضة حدود الملاعب لتصبح مصدر إلهام للفن والإبداع، إذ تجسد قصص الرياضيين قيم الشجاعة والإصرار والحلم، ما يدفع الفنانين إلى تحويل لحظاتهم البطولية إلى أعمال فنية خالدة في السينما والموسيقى والرسم.

لوحات فنية مستوحاة من الرياضيين

الرياضة والفن

في العمل الفني المعروف بـ عرض الزواج للرسام السويدي كنوت إكوال، نرى سيدة تطيل النظر باتجاه زاوية معينة بعيدة، بينما يقوم رجل بقطع جولة الشطرنج دون اكتراث بقطع البيادق المنتشرة على الأرض، وذلك بهدف واحد: أن يطلب يدها للزواج. لكن ضمن النسخة المعدلة من اللوحة، فإن الرجل لا يتوقف عن اللعب لهذا السبب، بل لمشاهدة مباراة كرة قدم! يصر القيمون على المعرض على وجهة نظرهم بأن كرة القدم. مثلها مثل الفن، قادرة على إثارة فيض من العواطف، يرفعها البعض إلى مكانة مقدسة. من هذا المنطلق، سعوا إلى منح هذه اللعبة المكانة التي تستحقها. في النصوص التالية، سنسلط الضوء على مجموعة من الأعمال الفنية التي كانت فيها الكرة هي الموضوع الرئيسي، لكنها تجاوزت في مضمونها الرؤية السطحية للكرة كرياضة أو مجرد لعبة.

لعبة كرة القدم (1839)

نتحول إلى قارة أخرى وزمن مختلف يلامس العصور الوسطى. في لوحة لعبة كرة القدم لـ توماس ويبستر، يبدو الوقت وكأنه يتوقف للحظة في الريف الإنجليزي. يهيمن على التكوين مجموعة من الصبية يتزاحمون ويدفعون بعضهم البعض، ويزاحمون حارس مرمى صغير يبدو عليه التوتر، ولم يخصص له سوى حيز ضيق، ما يجعله يبدو محاصراً، وكأنهم على وشك الانقضاض عليه.

اشتهر ويبستر بأعماله التي تركز على الفن النوعي، وحبه لتصوير الأطفال في مواقف تعكس أحداثاً من الحياة اليومية في القرى الريفية بلمسة فكاهية. في عمله هذا، تتحول كرة القدم من “التسوجو” الصيني إلى “رياضة الغوغاء” الإنجليزية التي كانت شائعة في القرن الثاني عشر. كانت تقام هذه المباريات كجزء من الاحتفالات والمنافسات بين القرى والمدن. كانت الفرق تتألف من عدد غير محدود من اللاعبين المتنافسين، يشكلون كتل بشرية تتصادم من أجل الاستيلاء على كرة مصنوعة من مثانة الخنزير بأي وسيلة ممكنة.

سندرلاند ضد أستون فيلا (1895)

في ذلك الزمن، لم تكن كاميرات الفيديو تصور جميع المباريات الجارية، لذا اعتاد الرسامون المحليون على حضور مباريات كرة القدم ورسم مشاهد اللعب ليتم نشرها لاحقاً في الصحف. في الثاني من يناير/كانون الثاني من عام 1895، كان الرسام توماس هيمي حاضراً في مباراة بين ناديين إنجليزيين من دوري كرة القدم، وهما سندرلاند وأستون فيلا، التي كانت أول منافسة كبيرة للأندية تنتهي بالتعادل (7((8).

تظهر لوحة سندرلاند ضد أستون فيلا مهاجم فريق أستون فيلا وهو يحاول التسجيل في المرمى على الرغم من التكتل الدفاعي للاعبي الفريق المنافس أمامه. يولي “هيمي” اهتماماً خاصاً للتفاصيل، بدءاً من ملابس اللاعبين التي تشير إلى أن المباراة تقام في فصل الشتاء، وصولاً إلى القش المتراكم حول الملعب والذي تذروه الرياح بين أقدام اللاعبين. كان القش في ذلك الوقت هو المادة المستخدمة لتغطية ملاعب كرة القدم تحسباً لتوقع الصقيع.

هل الرياضة فن؟

بين الرياضة والفن الرياضة هي فن عندما تتطلب الإبداع، الجمالية، والبراعة في الأداء، مثل الجمباز الإيقاعي أو التزلج على الجليد. وتقدر الرياضة جمالية الحركة ، مما يجعلها “فنًا حركيًا” يلامس المشاعر. كما أن الهدف الأساسي للرياضة هو المنافسة والفوز، بينما الهدف الأساسي للفن هو التعبير والإثارة الجمالية. [1]

لوحة لعب السيدات للتسوجو

تتدفق درجات الذهب النقي في تحفة الفنان دو جين الموسومة بـ سيدات صينيات يلعبن التسوجو، لتمنحها مظهراً يوحي بأنها خرجت من عالم الأحلام. تنشغل فيها مجموعة من نساء البلاط بلعب كرة قدم تشبه القمر. وذلك على العشب المغطى بالندى. حيث لا تظهر أي علامات انزعاج عليهن رغم أقدامهن المقيدة وفساتينهن متعددة الطبقات. لم تمنعهن هذه القيود من تبادل تمرير الكرة بينهن برشاقة. تشير انحناءات ظهورهن إلى استغراقهن في اللعب لفترة طويلة. يجمع “دو جين” في هذه القطعة الفنية بين الأشياء التي استلهمته، بدءاً من المناظر الطبيعية والزهور وصولاً إلى الأشخاص.

كيف وصل هذا المشهد الكروي إلى هؤلاء السيدات بالذات؟ قبل ما يقارب ألفي عام. وتحديداً خلال حقبة الممالك المتحاربة، أي قبل توحيد الصين، ظهرت لعبة كرة القدم في البلاد تحت اسم “تسوجو” (cuju)، والتي تعني حرفياً “ركل الكرة” (4)(5). كانت هذه اللعبة تمارس كنوع من التدريب العسكري، وسرعان ما لقيت اهتماماً واسعاً على مستويات المجتمع كافة، وصولاً إلى الطبقات الحاكمة.

الإمبراطور غاوزو

كان (ليو بانغ) من خلفية قروية بسيطة، لكنه ارتقى ليصبح إمبراطوراً. قام ليو بانغ بدعوة والده للعيش في القصر الإمبراطوري. استجاب الوالد، ولكنه بدا حزيناً لعدم قدرته على ممارسة لعبة التسوجو. لهذا السبب، أمر ليو بانغ ببناء ملعب ضخم خصيصاً لإقامة مباريات الكرة خلال الأعياد والمناسبات. كان الفريق في ذلك الوقت يتكون من 12 إلى 16 لاعباً. كان هناك اعتقاد بأن الكرة ترمز إلى الشرف والكرامة، ولذلك. لم تسمح القوانين الموضوعة من قبل أسرة “هان” (التي ينتمي إليها الإمبراطور) للاعبين بلمس الكرة بأيديهم.

منحوتات لنجوم الرياضة

كرة القدم

• كريستيانو رونالدو:

تمثال في مسقط رأسه بجزيرة ماديرا (البرتغال). يصور اللاعب في وضعية الاستعداد لتسديد ركلة حرة، مع التركيز على القوة الجسدية والعضلات المشدودة.

• دييغو مارادونا:

تماثيل متعددة في الأرجنتين، مثل بوينس آيرس ومتحف مارادونا. تظهره وهو يركض بالكرة، أو يرفع كأس العالم، لالتقاط لحظات جنونية ومُفعمة بالعاطفة.

• ليونيل ميسي:

تمثال في ممر العظماء في بوينس آيرس، الأرجنتين (تعرض لأضرار وتم نقله). ركزت التماثيل على وضعيته وهو يُناور بالكرة أو يحتفل بتسجيل هدف.

• تييري هنري:

تمثال خارج ملعب الإمارات (نادي أرسنال، لندن). يصوره وهو ينزلق على ركبتيه للاحتفال بهدف، وهي وضعية احتفاله الشهيرة.

• مايكل جوردن:

تمثال الروح خارج مركز يونايتد سنتر، شيكاغو. يصور جوردن وهو يقفز في الهواء مع الكرة، ويعد رمزاً لتحدي الجاذبية والسيطرة.

• محمد علي كلاي:

لديه العديد من التماثيل التي تُظهره في وضعية استعداد للقتال أو احتفال النصر، وهو رمز للقوة البدنية والروح الثائرة.

تعرف ايضا على :الرياضة والحدس: دور الحدس في الأداء الرياضي

الرياضة في السينما العالمية

هوزيرز(1986)

تتمحور أحداث هذا الفيلم حول قصة حقيقية تعود لعام 1954؛ حيث تمكن فريق كرة سلة تابع لمدرسة ثانوية مغمورة في ولاية إنديانا الأمريكية من تحقيق فوز غير متوقع ببطولة الولاية، متجاوزًا كل التوقعات. كان يقود الفريق المدرب نورمان ديل، رجل مثقل بعبء ماضٍ مضطرب، يسعى إلى استعادة ذاته بعد سنوات من الضياع، ويرى في تدريب كرة السلة سبيله للتعافي وإثبات الوجود.

تذكروا الجبابرة(2000)

وقعت أحداث هذا العمل في أوائل السبعينيات، في بلدة كانت تحت حكم الانقسام العرقي. واجه المدرب هيرمان بون تحدياً غير مسبوق حيث تولي تدريب فريق كرة قدم أمريكية للمرحلة الثانوية يضم طلاباً من البيض والسود معاً، في فترة كانت فيها جذور العنصرية عميقة في نسيج المجتمع.

المدرب كارتر(2005)

هذا الفيلم مبني على القصة الواقعية للمدرب كين كارتر، الذي تسلم مهمة تدريب فريق كرة السلة في مدرسة ريتشموند الثانوية. وهي المدرسة التي كان قد حقق فيها أرقاماً قياسية كلاعب سابق. بعد توليه المسؤولية، اكتشف كارتر أن الفريق يفتقر إلى الالتزام والانضباط. لذا، قرر فرض لوائح صارمة تتعدى التدريبات. وألزم اللاعبين بتوقيع عقود تفرض عليهم الحضور المنتظم للفصول الدراسية وتحصيل درجات جيدة، بالإضافة إلى الانضباط السلوكي والالتزام بالتدريب. ولم يتردد في اتخاذ إجراءات جذرية، مثل إغلاق صالة التدريب ومنع الفريق من المشاركة في المباريات، عندما تقاعس بعضهم عن تطبيق الشروط.

محارب(2011)

يقدم الفيلم صراعاً نفسياً وعاطفياً عميقاً يدور بين شقيقين فرقتهما السنين، لكنهما يجتمعان مجدداً في بطولة للفنون القتالية المختلطة، ليصبح النزال بينهما محفزاً للمصالحة. كل من توماس، العائد من الخدمة العسكرية، وبريندان، المدرس الذي يكافح لتوفير معيشة لأسرته، يدخل البطولة لدوافع شخصية، لكن القدر يدفعهما نحو مواجهة لم يتوقعاها. استعرض المخرج جافين أوكونور عملاً إنسانياً بامتياز، تجاوز فيه نطاق القتال الجسدي ليغوص في تعقيدات الروابط العائلية. أدى توم هاردي وجويل إدجيرتون دوريهما ببراعة فائقة.

ما علاقة الفن بالرياضة؟

العلاقة بين الرياضة والفن هي أن الفن يخلد الرياضة من خلال المنحوتات، اللوحات تسجل لحظات النصر، القوة، والتضحية للرياضيين، مما يحولها من مجرد حدث عابر إلى إرث خالد. كما توفر الرياضة للفنانين  مادة غنية بالحركة الديناميكية والجمال التشريحي للجسم البشري، والمشاعر الإنسانية مثل العزيمة والفرح. [2]

في الختام، يثبت الرابط بين الرياضة والفن أنه علاقة متبادلة تكسب كلاً منهما قيمة أعمق. فكما تمنح الرياضة الحركة للحياة. يمنحها الفن الخلود؛ ليتحول إنجاز الرياضي من فوز عابر إلى رمز أبدي للعظمة البشرية، تحتفى به في اللوحات والمنحوتات عبر العصور.

تعرف أيضا على : ما المقصود بالانسجام اللوني: تعريفه وأهميته في الفن وتصميم الألوان

الأسئلة الشائعة

س1: كيف أثرت الرياضة في عالم الفن؟

ج: أصبحت الرياضة مصدر إلهام للكثير من الفنانين في السينما، الرسم، الموسيقى، والأدب، حيث تجسد قصص الرياضيين قيمًا مثل الإصرار، الحلم، والانتصار على الصعاب.

س2: ما أبرز أمثلة الأعمال الفنية المستوحاة من الرياضة؟
ج: هناك أفلام مثل Rocky وAli التي تناولت حياة الملاكمين، ولوحات فنية تخلد لحظات رياضية شهيرة، بالإضافة إلى أغنيات تعبّر عن روح الفريق والانتصار.

س3: لماذا ينجذب الفنانون إلى قصص الرياضيين؟
ج: لأن حياة الرياضي مليئة بالتحديات والدراما الإنسانية، مما يجعلها مادة مثالية للتعبير الفني والإبداع.

س4: هل يتعاون الرياضيون أنفسهم مع الفنانين؟
ج: نعم، كثير من الرياضيين شاركوا في إعلانات، فيديو كليبات، وأفلام وثائقية، وحتى معارض فنية، ليصبحوا رموزًا ثقافية تتجاوز حدود الرياضة.

س5: كيف تعزز الرياضة والفن بعضهما البعض؟
ج: الفن يوثق لحظات الرياضة العظيمة ويخلدها، بينما تمنح الرياضة الفن مشاعر واقعية من الحماس والتحدي، مما يخلق تفاعلًا ثقافيًا وإنسانيًا غنيًا.

مشاركة المقال

وسوم