نجيب الريحاني: فنان كوميدي

الفنان نجيب الريحاني. اسم لا يمكن أن يمر على ذاكرة الفن العربي دون أن يثير موجة من الحنين والضحك الذي يختلط بالدموع. إنه ليس مجرد ممثل كوميدي بل هو ظاهرة فنية متكاملة جمعت بين الضحك العميق والتراجيديا المؤلمة وقدمت صورة واقعية للمجتمع المصري في فترة ذهبية من تاريخه. فقصته ليست مجرد سيرة فنان. بل هي حكاية إنسان عاش حياته بين الأضواء والظلال، وصنع من معاناته مادة فنية خالدة، لا تزال تلهم وتمتع الأجيال.
نجيب الريحاني تاريخ ومكان الميلاد

في قلب القاهرة الفاطمية تحديداً في حي باب الشعرية. ولد الفنان نجيب الريحاني. في 21 يناير 1889 فلم تكن نشأته سهلة. فقد جاء من أب عراقي كلداني يعمل في تجارة الخيول وأم مصرية من أصل قبطي. هذا المزيج من الأصول شكل شخصيته المتعددة التي جمعت بين صلابة الأصول العراقية وروح الفكاهة المصرية الأصيلة. وعاش نجيب الريحاني طفولة بسيطة وعانى من الفقر مما جعله يتعرف عن قرب على آلام الطبقة الفقيرة والمسحوقة. وهي الخبرة التي استثمرها لاحقًا في أعماله الفنية.
تعرف أيضًا على: هاياو ميازاكي: كيف أعاد للأنمي روحه الفنية والإنسانية؟
بدأ رحلته الفنية في المسرح حيث كان يعتبره عالمه الخاص الذي يمكنه من خلاله التعبير عن أفكاره وملاحظاته الساخرة على المجتمع. فكان مسرحه بمثابة مرآة تعكس الواقع. وكان يجسد شخصيات من صميم الشعب المصري مثل “كشكش بيه” تلك الشخصية التي أصبحت رمز للسخرية من الطبقة الأرستقراطية التي كانت تتقمص المظاهر الغربية. لم يكن مجرد ممثل بل كان كاتب ومخرج وكان يشارك في كل تفاصيل العمل الفني. مما جعله فنان شامل ترك بصمة لا تنسي في تاريخ المسرح العربي.
كانت رحلة الفنان نجيب الريحاني مع الكوميديا رحلة طويلة ومليئة بالتجارب فبدأ بتقديم عروض بسيطة. ثم طور أسلوبه حتى وصل إلى ذروة النضج الفني. ولم يكن يعتمد على الضحك السطحي. بل كانت كوميديته نابعة من مواقف الحياة اليومية ومن التناقضات الإنسانية مما يجعلها كوميديا ذكية ومستمرة. إن نجاحه. لم يكن وليد الصدفة. بل كان نتيجة لجهد كبير وتفاني في العمل وقدرة فريدة على فهم الإنسان المصري. بضحكاته وآلامه. فقد كان الفنان نجيب الريحاني. يبني شخصياته بعمق ويجعلها حية وحقيقية وهذا ما جعل الجمهور يتعلق بها ويتعاطف معها.[1]
تعرف أيضًا على: كوروساوا أكيرا: عبقري السينما الذي ألهم هوليوود والعالم
من هي زوجة الفنان نجيب الريحاني
تعتبر الحياة العاطفية لـ الفنان نجيب الريحاني. جزء لا يتجزأ من قصته فهي مليئة بالحب والشغف والدراما فقد تزوج الريحاني مرتين وكانت زوجته الأولى هي الراقصة اللبنانية بديعة مصابني. كانت علاقة عاطفية قوية لكنها لم تستمر كثيراً بسبب اختلاف طباعهما وشخصياتهما فكانت بديعة مصابني امرأة قوية وطموحة بينما كان الريحاني فنان حساس يفضل الهدوء والعمل في المسرح. لكن رغم الانفصال ظلت علاقتهما قائمة على الاحترام المتبادل وظلت بديعة تكن له كل التقدير.
بعد انفصاله عن بديعة مصابني تزوج الفنان نجيب الريحاني. من لوسي بومنت وهي راقصة وممثلة ألمانية فكانت علاقتهما مستقرة وهادئة وجمعت بينهما علاقة فنية قوية فقد شاركته في بعض أعماله الفنية لكن هذه العلاقة لم تستمر أيضاً طويلًا. هذه التجارب العاطفية شكلت جزء من شخصيته الفنية فكانت تظهر في أعماله بشكل أو بآخر كما أن تساؤلات الجمهور حول “من هن زوجات الفنان نجيب الريحاني.” كانت دائمًا حاضرة مما يدل على اهتمام الجمهور بحياته الشخصية.
كانت حياة الريحاني العاطفية صعبة ومعقدة فقد كان يكرس معظم وقته لعمله الفني مما كان يؤثر على استقرار علاقاته فكان فنان بكل ما تحمل الكلمة من معنى. يعيش من أجل الفن ويضحي من أجله. ورغم أن حياته العاطفية لم تكن ناجحة دائمًا إلا أنها أثرت تجربته الإنسانية وأعطته عمق إضافي انعكس في أدواره الكوميدية والتراجيدية وقد كانت من هن زوجات الفنان نجيب الريحاني. من المواضيع التي تثير فضول محبيه لكونها تكشف عن جوانب من حياته لم يكن يظهرها للعلن.
تعرف أيضًا على: كاتسوشيكا هوكوساي: عبقري الفن الياباني وراء الموجة العظيمة
ما سبب موت نجيب الريحاني؟
عن رحيل الفنان نجيب الريحاني. فإن سبب وفاة نجيب الريحاني كان لغز لبعض الوقت فرحل الريحاني في 8 يونيو 1949. بعد أن أتم تصوير فيلم “غزل البنات” مع الموسيقار محمد عبد الوهاب و توفي الريحاني بشكل مفاجئ مما أثار صدمة في الأوساط الفنية والجماهيرية. والسبب الرسمي للوفاة كان حمى التيفوئيد وهو مرض كان شائع في ذلك الوقت لكن البعض يعتقد أن سبب وفاته كان حزن عميق نتيجة إحساسه بالغربة والوحدة في أيامه الأخيرة فقد كان الفنان نجيب الريحاني. يشعر بالوحدة في أيامه الأخيرة، فرغم شهرته الكبيرة ونجاحه كان يعيش في عزلة ويفضل الابتعاد عن الأضواء.
تعرف أيضًا على: برامز: الموسيقار الذي جمع بين الكلاسيكية والرومانسية
لقد كان فنان مرهف الحس يتأثر بكل ما يحيط به وقد يكون حزن دفين هو ما أدى إلى تدهور حالته الصحية فكانت جنازة نجيب الريحاني. حدث مهيب فقد خرجت الجماهير في شوارع القاهرة لوداعه في مشهد يعكس مدى حبهم له ومدى تأثيره على قلوبهم. لقد كانت جنازته بمثابة وداع لفنان عظيم لم يترك وراءه سوى إرث فني خالد وتعتبر قصة سبب وفاة نجيب الريحاني. درس في الحياة فالفنان الذي قدم الضحك للجميع كان يعيش في داخله ألم عميق وهذا هو سر لقب “الضاحك الباكي”.
إنه يذكرنا بأن وراء كل ضحكة قد تكون هناك دمعة وأن الفن هو وسيلة للتعبير عن هذه التناقضات الإنسانية ورغم رحيله فإن أعماله لا تزال حية وضحكاته لا تزال تتردد في أروقة المسرح والسينما لتذكرنا بعظمة فنان لم يمتلك القدرة على الضحك فقط بل كان يمتلك القدرة على جعلنا نبكي ونحن نضحك.[2]
تعرف أيضًا على: ليوناردو دافنشي: عصر النهضة
لماذا سمي نجيب الريحاني الضاحك الباكي؟
لقب “الضاحك الباكي” ليس مجرد لقب بل هو عنوان لمدرسة فنية فريدة أسسها الفنان نجيب الريحاني. هذا اللقب يجمع بين نقيضين: الضحك والبكاء وهو ما كان جوهر أعماله الفنية فكان الريحاني يمزج في أدواره بين الكوميديا والتراجيديا ليقدم لنا صورة واقعية للحياة بكل تناقضاتها. فلم يكن يكتفي بتقديم النكتة والضحكة السريعة. بل كان يغوص في أعماق الشخصيات ويكشف عن ضعفها وألمها وحزنها حتى في أكثر المواقف الكوميدية.
- الكوميديا الواقعية: كانت كوميديا الريحاني نابعة من الواقع من معاناة البسطاء ومن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. فكان يضحكنا على أنفسنا على عيوبنا وعلى تناقضات مجتمعنا فلم يكن يقدم لنا كوميديا خيالية. بل كان يقدم لنا كوميديا حقيقية، تجعلنا نضحك وفي نفس الوقت نفكر.
- التراجيديا الإنسانية: وراء كل ضحكة في أعمال الريحاني كانت هناك دمعة فشخصياته. كانت دائمًا تعاني من الفقر أو من الظلم أو من الوحدة أو من الحب الذي لا يكتمل فكان يجسد هذه المعاناة بصدق وعمق. مما يجعلنا نتعاطف معها ونشعر بألمها.
- الأسلوب الفريد: كان الفنان نجيب الريحاني. يمتلك قدرة فريدة على الانتقال السريع من الضحك إلى البكاء. فكان يمتلك تعابير وجه قادرة على التعبير عن كل المشاعر في لحظة واحدة وهذا الأسلوب جعله فنان استثنائي لا يمكن تقليده فلقبه “الضاحك الباكي” لم يأتي من فراغ.
تعرف أيضًا على: فايز المالكي: فنان الكوميديا والرسالة الإنسانية
في الختام يبقى الفنان نجيب الريحاني. أيقونة فنية خالدة لم يأتي بجديد في الكوميديا فقط. بل أضاف لها عمق إنساني لم يسبقه إليه أحد إنه الضاحك الذي جعلنا نضحك والباكي. الذي جعلنا نفكر والرحالة الذي ترك بصمة لا تمحى في قلوبنا. قصة حياته وأعماله ستظل مصدر إلهام لكل فنان وتذكار دائمًا بأن الفن الحقيقي هو الذي يجمع بين الضحكة والدمعة.
المراجع
- imdb Biography Nagib El-Rihani - بتصرف
- see.news 15 Facts about late Naguib El-Rihani on Birthday Anniversary -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

ماو تسي: تونغ الزعيم الصيني مؤسس جمهورية الصين...

بليز باسكال: الفيلسوف والعالم الذي جمع بين الرياضيات...

الرازي طبيب وكيميائي مسلم

المقريزي: مؤرخ مصر

الملكة نازلي: والدة الملك فاروق

الملك خالد: ملك السعودية

الملك سلمان بن عبدالعزيز: ملك السعودية

أمل دنقل: شاعر مصري

من هو بولس الرسول؟ سيرته ودوره في نشر...

إيتو هيروبومي: من الساموراي إلى السياسي الذي غيّر...

وارن بافيت: أشهر مستثمر في العالم وساحر أوماها...

الإمام الغزالي حجة الإسلام

الشاعر جبران خليل جبران: فيلسوف وشاعر

الإمام أحمد بن حنبل: إمام أهل السنة
