جستنيان: الإمبراطور البيزنطي وصاحب التشريعات التي غيرت تاريخ القانون

جستنيان اسم يتردد صداه عبر القرون كرمز للإمبراطورية البيزنطية في أزهي مراحل قوتها وكأحد أعظم المشرعين في تاريخ البشرية. فلم يكن مجرد حاكم بل كان مهندس للدولة وفارس للقانون ومؤمن بأن النظام والعدالة هما أساس الحضارة. كانت حياته بأكملها رحلة من التوسع العسكري والإصلاح الإداري والثورة التشريعية.

من هو الإمبراطور جستنيان؟

جستنيان الأول (Iustinianus) الذي يعرف أيضًا باسم جستنيان. فقد ولد حوالي عام 482 ميلادية وكان اسمه الأصلي بيتروس ساباتيوس  فنشأ في عائلة متواضعة ولكنه تمكن من الارتقاء في صفوف السلطة بفضل عمه جستن الأول الذي أصبح إمبراطور  بيزنطي فيما بعد.

كان جستنيان الأول شخصية طموحة وذكية درس القانون والفلسفة واللاهوت في القسطنطينية. فكان لديه رؤية واضحة لإعادة مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة والتي كانت قد تراجعت بشكل كبير بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية.

 عندما اعتلى العرش عام 527 ميلادية بدأ على الفور في تنفيذ خططه الطموحة فكانت فترة حكم جستنيان الأول. مليئة بالإنجازات العسكرية والمدنية ففي الجانب العسكري قاد حملات واسعة لإعادة الأراضي التي فقدتها الإمبراطورية في الغرب وتمكن من استعادة إيطاليا وشمال أفريقيا وأجزاء من إسبانيا.

تعرف أيضًا على: سليمان القانوني: أعظم سلاطين الدولة العثمانية

فكانت هذه الحملات مكلفة وباهظة الثمن ولكنها أعادت جزء من مجد الإمبراطورية الرومانية. فمن الناحية الإدارية قام بتنظيم الإدارة المركزية ووضع أنظمة ضريبية جديدة. لتمويل مشاريعه الضخمة و لكن أهم أعماله كانت في مجال القانون حيث قاد مشروع ضخم لجمع وتنظيم القوانين الرومانية القديمة والتي كانت قد أصبحت فوضوية وغير منظمة.

هذا المشروع أدى إلى إصدار “قانون جستنيان” الذي أصبح أساس للقانون المدني في أوروبا. فعلى الرغم من إنجازاته الكبيرة كانت فترة حكم جستنيان الأول مليئة أيضًا بالتحديات فقد واجه الإمبراطورية العديد من الثورات والحروب وأبرزها ثورة نيكا التي كادت أن تطيح به.

ولكن بفضل حنكة زوجته الإمبراطورة ثيودورا وشجاعتها تمكن من قمع الثورة وتثبيت حكمه. فكان جستنيان الأول. مهتم أيضًا بالجانب الديني وقام ببناء العديد من الكنائس الفخمة وعلى رأسها كنيسة آيا صوفيا في القسطنطينية والتي تعد إحدى روائع العمارة البيزنطية.[1]

تعرف أيضًا على: غازان خان: السيرة الذاتية والحكم في الدولة الإيلخانية

من هي ثيودورا؟

لا يمكن الحديث عن جستنيان دون ذكر شريكته القوية الإمبراطورة ثيودورا فكانت ثيودورا شخصية استثنائية ومثيرة للجدل. حيث كانت ممثلة في الأصل قبل أن تصبح الإمبراطورة فكان زواجها من جستنيان الأول قرار غير تقليدي لكنها أثبتت أنها كانت شريكة سياسية حكيمة ومؤثرة.

كانت تعرف بذكائها الحاد وقوتها وتأثيرها الكبير على سياسات زوجها فكانت ثيودورا مستشارته المقربة في جميع القرارات الهامة. وكان لها دور حاسم في تثبيت حكمه فعلى الرغم من أن سيرتها الذاتية مثيرة للجدل إلا أنها تعتبر واحدة من أقوى النساء في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية. أحد أبرز المواقف التي أظهرت فيها ثيودورا قوتها وشجاعتها. كان خلال ثورة نيكا عام 532 ميلادية عندما كانت الجماهير الغاضبة تهاجم القصر كان العديد من مستشاري جستنيان يخشون على حياتهم واقترحوا عليه الهرب.

تعرف أيضًا على: بسمارك وتوحيد ألمانيا الحديثة

في هذه اللحظة الحاسمة ألقت ثيودورا خطاب ناري شهير قالت فيه: “لا يمكنني أن أعيش يومًا واحدًا دون شرف”  فألهمت كلماتها زوجها وقيادته وقررت البقاء ومواجهة الثورة. مما أدى إلى قمعها وإعادة الاستقرار إلى الإمبراطورية فكان هذا الموقف دليل على أنها لم تكن مجرد زوجة إمبراطور بل كانت شريكة في الحكم وذات رؤية سياسية حكيمة.

كانت ثيودورا أيضًا نصيرة للنساء والمهمشين و عملت على إصدار قوانين لتحسين حقوق المرأة وحماية الفتيات من الاستغلال. وتوفير الملاجئ للأيتام والمشردين. و كانت تؤمن بأن العدالة يجب أن تشمل جميع فئات المجتمع وأن الحاكم يجب أن يعمل على حماية الضعفاء.

هذه الأعمال الخيرية جعلتها شخصية محبوبة بين العامة وأثبتت أن نفوذها لم يكن مقصور على القضايا السياسية فقط. أما عن جستنيان الأول وامرؤ القيس هذه العلاقة التاريخية بين الإمبراطور البيزنطي والشاعر العربي تعكس مدى نفوذ جستنيان وتأثيره في عصره ليس فقط في أوروبا بل في العالم العربي أيضاً مما يثبت أن جستنيان كان شخصية عالمية في عصره.[2]

تعرف أيضًا على: الأميرة فوزية: شقيقة الملك فاروق وزوجة شاه إيران

ما هو نوع الحاكم جستنيان؟

يصنف جستنيان كحاكم استبدادي ولكنه كان أيضًا حاكم إصلاحي. فكان يؤمن بأن السلطة يجب أن تكون مركزية في يد الإمبراطور وأن الإمبراطور هو المشرع الأعلى والقاضي الأوحد فكان يرى أن دوره هو توحيد الإمبراطورية من خلال القانون والدين ولهذا السبب لم يتردد في استخدام قوته لتحقيق أهدافه.

ومع ذلك لم يكن استبداده مجرد من الرؤية فكان يؤمن بأن السلطة تفرض مسؤولية. وأن الحاكم يجب أن يعمل على تحقيق الصالح العام و هذه الرؤية هي التي قادته إلى القيام بـ اهم أعمال جستنيان الأول فكانت اهم أعمال جستنيان الأول هي التشريعات القانونية والتي أثرت بشكل كبير على مسار التاريخ.

 قام بتشكيل لجنة من الخبراء القانونيين لجمع وتنظيم القوانين الرومانية. والتي كانت قد أصبحت فوضوية وغير منظمة فهذا المشروع أدى إلى إصدار “قانون جستنيان” (Corpus Juris Civilis)

والذي يتكون من أربعة أجزاء رئيسية

• الكودكس (Codex): مجموعة من القوانين والتشريعات الإمبراطورية التي صدرت قبل عهده.
• الديجست (Digesta): خلاصة لأعمال أشهر الحقوقيين الرومان والتي تحتوي على أهم الآراء القانونية.
• المؤسسات (Institutiones): كتاب تمهيدي لتدريس القانون للطلاب.
• النيوفلاي (Novellae Constitutiones): مجموعة من القوانين الجديدة التي أصدرها جستنيان بنفسه.

هذه الأعمال القانونية هي التي جعلت من جستنيان أحد أعظم المشرعين في التاريخ. فقد كان يؤمن بأن القانون هو أداة لتحقيق العدالة والنظام وأن القوانين. يجب أن تكون واضحة ومنظمة لكي تخدم المجتمع وكتب عن الإمبراطور جستنيان هذه الأعمال التي توضح عمق فكره القانوني. وتثبت أنه كان حاكم استثنائي لا يخشى التحديات ويؤمن بقوة القانون في بناء الحضارة.

تعرف أيضًا على: السلطان برقوق: مؤسس دولة المماليك البرجية

ما هو طاعون جستنيان؟

على الرغم من إنجازات جستنيان العظيمة فإن فترة حكمه شهدت كارثة طبيعية لم يسبق لها مثيل: “طاعون جستنيان”. في عام 541 ميلادية  فاجتاح وباء الطاعون الإمبراطورية البيزنطية وتسبب في وفاة الملايين من البشر. يعتقد أن هذا الوباء هو أول وباء طاعون مسجل في التاريخ. ويقال إنه كان أسوأ من “الموت الأسود” الذي ضرب أوروبا في العصور الوسطى فتسبب الطاعون في دمار كبير للإمبراطورية. حيث أثر على الاقتصاد والجيش والزراعة و في الواقع يقال إن الطاعون كان أحد أسباب فشل حملات جستنيان في الغرب حيث أضعف الإمبراطورية بشكل كبير.

تعتبر قصة طاعون جستنيان درس في التاريخ. حيث تظهر كيف يمكن للكوارث الطبيعية أن تغير مسار الحضارات فعلى الرغم من أن الإمبراطورية. تمكنت من التعافي من الوباء إلا أنها لم تعد أبدًا بنفس القوة التي كانت عليها قبل الطاعون.

جستنيان: حكم التناقضات بين المجد القانوني وضَعف الإنسان أمام الطاعون

كان الوباء بمثابة تذكير بأن الإنسان بغض النظر عن قوته ويظل ضعيفًا أمام قوى الطبيعة. فهذه الكارثة الإنسانية تظهر جانبًا آخر من حكم جستنيان وهو الجانب الذي لم يتمكن من السيطرة عليه على عكس الجوانب السياسية والعسكرية والقانونية التي كان يبرع فيها.

كانت فترة حكم جستنيان فترة من التناقضات حيث جمعت بين الإنجازات العظيمة والكوارث القاسية. فقد كان حاكم طموح  يسعى لإعادة بناء الإمبراطورية ولكنه واجه تحديات لم يكن يتوقعها فقصة جستنيان ليست مجرد قصة حاكم بل هي قصة إمبراطورية وقصة حضارة وقصة بشرية تظهر كيف يمكن للإنسان أن ينهض من الكوارث. وأن يبني مجد على الرغم من الصعاب.

تعرف أيضًا على: الإمبراطور ميجي: قائد نهضة اليابان ومؤسس عصر التحديث

في الختام يعد جستنيان شخصية محورية في تاريخ الحضارة الغربية. فقد كانت حياته مثال على قوة الطموح والرؤية والتفاني في خدمة الدولة وعلى الرغم من أن إنجازاته العسكرية لم تدم طويلاً إلا أن أعماله القانونية وخاصة “قانون جستنيان كانت خالدة ولا تزال تؤثر في أنظمة القانون الحديثة في جميع أنحاء العالم. فإن قصة جستنيان تذكرنا بأن أعظم الانتصارات ليست بالضرورة عسكرية بل يمكن أن تكون فكرية وقانونية وأن القوانين هي الأساس الذي تبنى عليه الحضارات.

أسئلة وأجوبة عن الإمبراطور جستنيان

من هو الإمبراطور جستنيان؟

ج/هو إمبراطور بيزنطي حكم من 527 إلى 565 ميلادية ويعتبر أحد أعظم المشرعين في التاريخ.

من هي ثيودورا؟

ج/هي زوجة الإمبراطور جستنيان والتي كانت شريكة سياسية حكيمة ومؤثرة ولها دور حاسم في تثبيت حكمه.

ما هو طاعون جستنيان؟

 ج/هو وباء طاعون اجتاح الإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس وتسبب في وفاة الملايين من البشر.

ما هو أهم إنجازات جستنيان؟

ج/أهم إنجازاته هو “قانون جستنيان وهو مجموعة من التشريعات القانونية التي أصبحت أساس للقانون المدني الحديث.

هل كان جستنيان الثاني هو نفس جستنيان الأول؟

 ج/لا جستنيان الثاني كان إمبراطور لاحق حكم في أواخر القرن السابع بينما جستنيان الأول هو صاحب الإنجازات القانونية والعسكرية التي نتحدث عنها.

• britannica Justinian I - بتصرف
• historyhit 10 Facts About Theodora: Byzantine Empress, Courtesan and Feminist -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم