جعفر النميري: رئيس السودان

جعفر النميري ليس مجرد اسم في سجل رؤساء السودان. بل هو شخصية محورية أثارت الجدل لسنوات طويلة، فما بين من يراه مصلح وقائد وطني، عمل على تحقيق الاستقرار. ومن يعتبره حاكم دكتاتوري أنهك البلاد بسياساته المتقلبة، تظل سيرته حافلة بالأحداث والتحولات الكبرى. لقد قاد النميري البلاد في فترة حساسة. شهدت فيها السودان صراعات داخلية وخارجية وتمكن من الصعود إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري، ليظل في السلطة لأكثر من ستة عشر عاما.

من أي قبيلة جعفر النميري؟

ولد جعفر النميري في مدينة أم درمان بالسودان، ويحدد جعفر النميري تاريخ ومكان الميلاد. في الأول من يناير عام 1930. ينتمي النميري إلى قبيلة الجعافرة، وهي إحدى القبائل العربية الكبيرة في السودان. ورغم أن هذا الانتماء القبلي لم يكن العامل الوحيد في صعوده السياسي ،إلا أنه كان جزء من نسيجه الاجتماعي، الذي تشكل منه وعيه السياسي.  نشأته في بيئة تتصف بالتنوع الاجتماعي والثقافي، في أم درمان كان لها دور في تشكيل شخصيته حيث التحق بالمدارس النظامية، ثم بالكلية الحربية السودانية، ليبدأ مسيرته كضابط في الجيش.

تعرف أيضًا على: عبدالعزيز بوتفليقة: رئيس الجزائر

إن قبيلة جعفر نميري لم تكن جزء من تحالف قبلي، أو سياسي محدد، أو مقصود، بل كانت مجرد انتماء عائلي. في الواقع. لم يكن النميري يعتمد على قبيلته في حكمه، بل كان يعتمد بشكل أكبر على المؤسسة العسكرية وعلى دعم فئات واسعة من الشعب السوداني في بداية حكمه. لقد سعى النميري إلى بناء هوية وطنية جامعة، تتجاوز الانتماءات القبلية والجهوية ولكنه في أواخر حكمه عاد ليعتمد على بعض التحالفات السياسية والدينية، مما أثار حفيظة الكثيرين.

لم تقف حياة جعفر النميري على الانتماء القبلي والمسيرة العسكرية فقط، بل كان يمتلك شخصية معقدة جمعت بين الصلابة والليونة. كان قائد عسكري محنك، ولكنه أيضا كان سياسي براغماتي قادر على التكيف مع المتغيرات. لقد تميز حكمه بالتقلبات السياسية والاقتصادية، فبعد أن تبنى الفكر الاشتراكي في بداية حكمه ،تحول لاحقا إلى الليبرالية الاقتصادية، ثم قام بتطبيق الشريعة الإسلامية في سنواته الأخيرة. هذه التقلبات أظهرت مدى صعوبة الحكم في بلد متنوع مثل السودان، ومدى تعقيد شخصية النميري نفسه.[1]

تعرف أيضًا على: الملك سلمان بن عبدالعزيز: ملك السعودية

من هو أبو جعفر النميري؟

يعرف جعفر النميري في الأوساط السودانية بأنه زعيم “ثورة مايو”. التي تخلصت من الحكومة الديمقراطية المنتخبة في عام 1969. فبعد أن كان ضابط صغير في الجيش، تمكن من قيادة الانقلاب الذي أوصله إلى سدة الحكم.  كان الانقلاب مدعوم من قبل مجموعة من الضباط الوطنيين ،وبعض القوى السياسية اليسارية.

تعرف أيضًا على: إيتو هيروبومي: من الساموراي إلى السياسي الذي غيّر اليابان

لقد وعد النميري بإعادة الاستقرار إلى البلاد، وتحقيق التنمية الاقتصادية وإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب ،وهي وعود حصلت علي ترحيب كبير في ذلك الوقت. ورغم أن النميري لم يكن له أب في الحياة السياسية، إلا أنه كان ينظر إليه كشخصية قادرة على تحقيق التغيير.  لقد كان زواج زوجة جعفر نميري. السيدة بثينة من عوامل الاستقرار في حياته الشخصية، وأظهرت أنها كانت مسانده له في مسيرته الطويلة.  ورغم أن حياته الشخصية كانت بعيدة عن الأضواء، إلا أن أبناء جعفر النميري قد عاشوا في ظل سلطة والدهم، وشهدوا تحولات حكمه من القوة إلى الضعف.

لقد حكم جعفر النميري السودان بقبضة من حديد لفترة طويلة، وكانت علاقته بالكثير من القوى السياسية والدينية معقدة.  فبعد تحالفه مع الشيوعيين في بداية حكمه، قام بعدها بإقصائهم، ثم تحالف مع الإخوان المسلمين.  هذه التحولات أظهرت براغماتيته السياسية، ولكنها أيضا أدت إلى فقدان ثقة الكثير من الأطراف به. لقد كانت شخصية النميري شخصية محورية في تاريخ السودان، وكان له دور كبير في تشكيل ملامح الحياة السياسية في البلاد، على مدى عقدين من الزمان.[2]

تعرف أيضًا على: الملك سيهانوك: الزعيم الملكي الذي شكّل تاريخ كمبوديا الحديث

من هو نائب الرئيس جعفر نميري؟

في الواقع لم يكن جعفر النميري نائب للرئيس. بل كان رئيس للجمهورية. أما المناصب التي شغلها نواب الرئيس في عهده، فقد شهدت تقلبات كبيرة تعكس حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد.  فقد اعتمد النميري على عدد من نواب الرئيس، الذين كان يتم تعيينهم وإقالتهم بناء على الولاء السياسي.  من أشهر نوابه كان أبو القاسم محمد إبراهيم، الذي شغل منصب النائب الأول للرئيس لفترة طويلة ثم أقيل بعد ذلك.

تظهر قائمة نواب الرئيس في عهد جعفر النميري. مدى اعتماد السلطة على شخصيات عسكرية ومدنية مختلفة ،حيث كان يسعى النميري إلى إيجاد توازن للقوى داخل نظامه. ومن أهم نوابه أيضا الرشيد الطاهر بكر ،الذي شغل منصب النائب الأول للرئيس في فترة لاحقة.  هذه التغييرات المستمرة في مناصب القيادة العليا، كانت نتيجة طبيعية للسياسات التي اتبعها النميري ،والتي كانت تركز على تقوية سلطته الشخصية ،والقضاء على أي تهديد محتمل من الداخل.

تعرف أيضًا على: فرانسوا هولاند: رئيس فرنسا

يمكن تلخيص بعض من أهم ملامح حكم جعفر النميري في نقاط

• التأسيس لنظام الحزب الواحد: قام النميري بإنشاء “الاتحاد الاشتراكي السوداني”، ليكون الحزب السياسي الوحيد في البلاد، بهدف القضاء على التعددية السياسية وضمان سيطرته الكاملة على الحكم.
• إصلاحات اقتصادية متقلبة: تبنى النميري في البداية سياسات اشتراكية ،لكنه تحول لاحقا إلى سياسات رأسمالية ليبرالية، بتشجيع من البنك الدولي مما أدى إلى صدمات اقتصادية كبيرة.
• إعادة إحياء الصراع الديني: في سنواته الأخيرة قام النميري بتطبيق ما يعرف بـ”قوانين سبتمبر 1983″ ،التي فرضت الشريعة الإسلامية، مما أثار غضب الحركات الجنوبية وأعاد إشعال نيران الحرب الأهلية.

إن فترة حكم جعفر النميري كانت فترة معقدة، مليئة بالصراعات السياسية والتغييرات الجذرية.  فلم يكن حكمه مستقر، ولكنه كان حاسم في رسم ملامح السودان الحديث، وتحديد مسار الكثير من الأحداث، التي لا تزال تؤثر على البلاد حتى اليوم.

تعرف أيضًا على: الرئيس جمال عبد الناصر: رئيس مصر وزعيم التيار القومي العربي

إنجازات الرئيس جعفر نميري

تعتبر إنجازات الرئيس جعفر النميري مثار للجدل بين المؤرخين والسياسيين. حيث يرى البعض أن فترته كانت حافلة بالإصلاحات، بينما يرى آخرون أنها كانت مليئة بالفشل.  من أبرز إنجازاته توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972 ،التي أنهت الحرب الأهلية في جنوب السودان لمدة 11 عاما.  لقد كانت هذه الاتفاقية تمثل إنجاز تاريخي، حيث منحت الجنوب حكم ذاتي، وأعادت السلام إلى البلاد.  ورغم أن الاتفاقية لم تستمر طويلاً ،إلا أنها تعتبر نقطة مضيئة في تاريخه.

 كان لـ جعفر النميري جانب آخر من الشخصية. ظهر في الكثير من طرائف جعفر نميري. التي كانت تحكي عنه.  فلقد كان يتميز بخفة الظل في بعض الأحيان ،وكان قادر على التواصل مع عامة الشعب ببساطة.  هذه الطرائف بالإضافة إلى من اقوال جعفر نميري الشهيرة كانت جزء من صورته الشعبية، التي حاول بناءها والتي جعلته شخصية قريبة من الناس رغم سلطته المطلقة. من أشهر أقواله: “أنا لا أثق إلا في نفسي”.  هذه الأقوال تعكس شخصيته القوية ورغبته في السيطرة.

وفاة جعفر النميري ومكانة قبره كرمز لفترة تحول في السودان

 توفي جعفر النميري. في 30 مايو 2009 بعد فترة طويلة قضاها في العزل السياسي، و دفن في مقبرة البكري بأم درمان، ويعرف قبر جعفر نميري. بأنه مزار للكثيرين من أنصاره ومحبيه، الذين لا يزالون يذكرون فترة حكمه، التي كانت فترة تحول في تاريخ السودان الحديث.  ورغم كل الانتقادات التي وجهت إليه، إلا أنه يبقى شخصية لا يمكن إغفالها عند الحديث عن تاريخ السودان المعاصر.

تعرف أيضًا على: ثيودور روزفلت: الرئيس الأمريكي الذي غيّر وجه السياسة في القرن العشرين

في الختام كانت شخصية جعفر النميري. وحكمه فترة معقدة في تاريخ السودان.  جمعت بين التناقضات السياسية والتحولات الجذرية، فما بين الإنجازات الكبرى مثل اتفاقية السلام، والقرارات المتقلبة التي أدت إلى الفشل.  يظل النميري شخصية محورية لا يمكن فهم تاريخ البلاد الحديث دون فهم دوره، فقد كان قائد جمع بين العسكرية، والحنكة السياسية، ولكنه أيضا كان ضحية لقراراته التي أدت في النهاية إلى سقوطه، ولكنه يبقى شخصية تاريخية لا يمكن محوها من الذاكرة.

• britannica Gaafar Mohamed el-Nimeiri-بتصرف
• theguardian Jaafar Nimeiri-بتصرف

مشاركة المقال

وسوم