حكم القتل الخطأ

حكم القتل الخطأ من الأحكام التي تناولها الإسلام بتفصيل دقيق لما فيها من تعد على النفس البشرية بغير قصد. وقد فصل الشرع في الكفارة والدية وكيفية التعامل مع أهل المقتول. في هذا المقال نستعرض الحكم الشرعي للقتل الخطأ وشروطه وما يترتب عليه من التزامات دينية وقانونية.

ما هو حكم الشرع في القتل الخطأ؟

في الشريعة الإسلامية، يعد حكم القتل الخطأ مسألة قد تم تناولها بالتفصيل في القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك لمراعاة ظروف الحوادث غير المقصودة بشكل دقيق. الأصل في الإسلام أن من قتل نفسا متعمدةً دون وجه حق، فعقوبته القصاص، لكن القتل الخطأ يختلف حكمه كليا.

تعرف أيضًا علي: حكم صيام يوم الإسراء والمعراج

أولًا، يتبين حكم القتل الخطأ في القرآن من خلال قوله تعالى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: 92). هذه الآية هي الأساس الشرعي لحكم القتل الخطأ، وتبين أن عقوبته ليست القصاص، بل هي الدية والكفارة. الدية مبلغ مالي يدفع لأهل المتوفى، والكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يتيسر فصيام شهرين متتابعين.

ثانيًا، يعتبر القتل الخطأ خطيئة تستلزم من الشريعة تعويضها، لكن دون إدانة القاتل المتعمد، فالشخص الذي يرتكب القتل خطأ لم يقصد إزهاق الروح، بل حدث الفعل دون قصد، وبناءً على ذلك، فإن الشريعة تراعي هذه النقطة، وتركز على جبر الضرر لأهل المتوفى بواسطة الدية، وعلى تطهير القاتل من الخطيئة من خلال الكفارة. [1]

تعرف أيضًا علي: ما هي مكروهات الصلاة

ما هي عقوبة القتل الخطأ في السعودية؟

تتوافق المنظومة القضائية في المملكة العربية السعودية مع الشريعة الإسلامية في مسألة جريمة القتل غير العمد وتفاصيلها، حيث تبنى عقوبة القتل الخطأ في السعودية على ما ورد في الشريعة الإسلامية السمحاء، وهي الدية والكفارة، مع مراعاة بعض الإجراءات القانونية والتنظيمية.

• الدية الشرعية

يفرض على الشخص الذي ارتكب القتل غير العمد دفع الدية الشرعية إلى ورثة القتيل. تحدد قيمة الدية في السعودية بناء على قرار الهيئات القضائية المختصة، وتختلف بحسب جنس القتيل (ذكر أم أنثى، مسلم أم غير مسلم له عهد). تعتبر الدية حقا لورثة القتيل، ولهم الحق في العفو عنها أو عن جزء منها. تدفع هذه الدية من أموال القاتل الخاصة، أو من عاقلته (الأقارب من جهة الأب) إذا كان القاتل معسرا وليس لديه مال.

• الكفارة

إضافةً إلى الدية، يلزم الشخص الذي ارتكب القتل الخطأ بدفع الكفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، ونظرا لعدم وجود تحرير الرقاب في عصرنا الحاضر، فإن البديل الشرعي المتفق عليه هو صيام شهرين متتابعين، كما يجب أن يتم هذا الصيام دون انقطاع، إلا لعذر شرعي كالإصابة بمرض أو الحيض للمرأة، مع ضرورة استئناف الصيام بعد زوال العذر، تطبق هذه العقوبة كفارة القتل الخطأ في حوادث السيارات، حيث يعتبر الحادث المروري الذي يؤدي إلى وفاة شخص قتلا غير عمد، وتترتب عليه نفس الأحكام من دية وكفارة. [2]

تعرف أيضًا علي: ما حكم رفض الزوجة الانجاب

ما حكم من يقتل مؤمنا خطأ؟

كما سبقت الإشارة، على من قتل مؤمنًا عن طريق الخطأ التزام أمرين جوهريين: الدية والكفارة. الدية هي حق لأصحاب المتوفى، وهي تعويض مادي عن خسارتهم لقريبهم. وقد جاء في السنة أن دية الرجل المسلم تعادل مائة من الإبل، ويتم تقييمها بالعملة المتداولة في كل بلد. أما الكفارة، فهي حق لله عز وجل، وتقصد بها تطهير القاتل من الإثم الذي ارتكبه بغير قصد، وهي تحرير عبد مؤمن، فإن لم يجد، فصيام شهرين متتاليين، وهذا ما يُبين حكم القتل الخطأ في القرآن.

تعرف أيضًا علي: النجاسة والطهارة في الشريعة

يؤكد الإسلام على أهمية هذه الكفارة والدية، لأنهما يتحقق بهما العدل وجبر الضرر لأهل المقتول، وتعتبر فرصة للقاتل للتطهر والرجوع إلى الله، وهذا يظهر مدى تسامح الشريعة، التي لم تعاقب القاتل خطأ بالقصاص لغياب القصد الجنائي، لكنها فرضت عليه التزامات لتعويض الورثة وتكفير الذنب، وفي هذا السياق، يطرح سؤال، متى تسقط كفارة القتل الخطأ؟ تسقط الكفارة بوفاة الشخص فقط، بينما قد تسقط الدية بتنازل ورثة المتوفى.

تعرف أيضًا علي: الطهارة الكبرى في الإسلام شروطها، غسلها، ومبطلاتها

ما هي كفارة القتل الخطأ للمرأة؟

الكفارة المحددة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع الشخص فعل ذلك، فيجب عليه صيام شهرين متتاليين. هذا الحكم يسري على المرأة بنفس الطريقة التي يسري بها على الرجل. إذا قتلت امرأة شخصا خطأ، فعليها نفس الكفارة المشار إليها، وهي صيام شهرين متتابعين دون انقطاع. وفي حالة توقف الصيام بسبب عذر شرعي، كمرض أو حيض، فعليها استئناف الصيام بعد زوال العذر وإكمال المدة المحددة.

بيد أن بعض الجوانب الأخرى قد تختلف، وتحديدًا فيما يتعلق بالدية، فالدية المستحقة على المرأة إذا كانت هي الجانية، قد تدفع من قبل عاقلتها (أقاربها الذكور)، أو من مالها الخاص إذا كانت ميسورة، أما في حال كانت المرأة هي المُتوفاة، فقد تختلف ديتها الشرعية عن دية الرجل وفقًا لبعض المذاهب الفقهية، حيث تقدر دية المرأة بنصف دية الرجل في الكثير من الحالات، وهذا ما يعرف بكفارة القتل الخطأ عند المالكية حيث تلتزم بالكفارة الشرعية، وتدفع الدية كاملة إذا كانت قادرة على ذلك، أو تتحملها العاقلة نيابةً عنها.

تعرف أيضًا علي: كل ما تريد معرفته عن الربا وأحكامه

في الختام، قمنا بتغطية عدة جوانب حيوية تخص حكم القتل الخطأ في الإسلام والنظم القانونية. حيث يعد القتل الخطأ من الذنوب التي لها كفارة ودية محددة في الشريعة، رغم عدم وجود قصد في الفعل. وقد راعى الإسلام في حكمه عدالة الموقف وحقوق أهل المقتول، مؤكدًا على أهمية الاحتياط في كل فعل قد يؤدي إلى الأذى، فحرمة النفس عند الله عظيمة.

• islamweb Rulings related to accidental killing -بتصرف
• ohchr Saudi Arabia: Death penalty against juvenile offender amounts to arbitrary deprivation of life, say UN experts -بتصرف

مشاركة المقال

وسوم