دور العيون في التعبير عن المشاعر في الشعر العربي
عناصر الموضوع
1-العيون في الشعر العربي
2- العيون في شعر الحب والغزل
3- العيون في شعر الحزن والفقد
4- العيون كأداة للتواصل الصامت
5- العيون في التعبير عن الغَيْرَة والشك
6- العيون بين الحقيقة والرمزية
لطالما كانت العيون في الشعر العربي مصدرًا غنيًا للصور البلاغية والرمزية، حيث اتخذت مكانة خاصة في التعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية. إنها ليست مجرد أعضاء بيولوجية للرؤية، بل تعتبر نافذة الروح ووسيلة لتوصيل الأحاسيس والأفكار التي لا تستطيع الكلمات وحدها نقلها. في الأدب العربي، تمثل العيون أداة فنية متقنة لتوصيل المعاني العاطفية سواء في الحب، الحزن، الفرح، أو الألم، وقد اتخذ الشعراء من العيون رمزًا يعبّر عن تجاربهم العاطفية والنفسية في أبهى صورها.
1-العيون في الشعر العربي
على مر العصور، دخل الشعراء والفلاسفة والمفكرون إلى عالم العيون، متفكرين في تلك النظرات التي تحمل الكثير من الأسرار والمعاني. ويدركون أن العين ليست عضوًا في الجسم فحسب، بل هي أيضًا لغة في حد ذاتها، تحتوي على دلالات غنية ما هو أبعد من الكلمات. إن عيون هؤلاء الرجال العظماء هي مرايا تعكس الأفكار الداخلية، وتكشف أسرار النفس، وقد عبر عن ذلك ببلاغة عندما قال: ” إن العيون مغاريف القلوب، بها يعرف ما في القلوب، وإن لم يتكلم صاحبها”. تجسد هذه المقولة فكرة أن العيون يمكنها أن تنقل ما يدور بداخل الإنسان دون أن يضطر إلى النطق بكلمة واحدة. العيون هنا كالمرايا الصادقة، لا تستطع أن تكذب أو تخدع، فهي تكشف ما بداخلها من مشاعر وعواطف، سواء كانت حبًا أو شوقًا أو حتى حزنًا وألمًا. وقد عبر جعفر بن أبي طالب عن هذه الفكرة في بيته الشهير:
فعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ.
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبديا لمَساوِيا.
وفي هذا البيت يتجلى تأثير العيون، ونحن نراقب العالم من حولنا، فالعين الراضية لا ترى أي عيوب، في حين أن العيون غير الراضية تسلط الضوء على كل عيب. وهنا تتجاوز العين دورها كأداة بصرية، وتصبح أداة للتعبير عن الرضا، وقد عبر الشاعر الأمير أحمد شوقي عن هذه الفكرة بعبارات عاطفية في قصيدته “زحلة”.
وتعطَّلَتْ لغـةُ الكـلامِ وخاطبَـتْ
عَيْنَـيَّ فِي لُغَـة الـهَوى عينـاكِ
هنا، يقف شوقي في اللحظة التي تعجز فيها الكلمات عن التعبير عنها، وتتولى عيناها الوسيلة الوحيدة لنقل الحب والعاطفة. العيون هنا تتكلم بلغة الهوى، لغة يفهمها العشاق دون شرح أو تفسير.
2-العيون في شعر الحب والغزل
- شعر الحب من أبرز الأنواع الأدبية التي برع الشعراء في استخدام العيون للتعبير عن مشاعرهم. ففي هذا السياق، تتعدد صور العيون، وتتنوع رموزها بين سحرٍ وجمالٍ وجاذبية، كما أنها مرآة للشوق والوله. في شعر الغزل، غالبًا ما يكون للحبيب القدرة على التأثير بقوة من خلال عينيه، وهو ما يسهم في إضفاء سحرٍ خاص على النص الشعري. [1]
- يقول الشاعر نزار قباني في إحدى قصائده الشهيرة:
عيونك حين تبتسم، تنير العالم أجمع، وحين تحزن، يضيع الكون في ظلمته.
- هنا، العيون تُعبّر عن قوة تأثيرها على الشاعر، فهي مصدر فرح وأمل، وفي ذات الوقت تحمل من الحزن ما يمكن أن يظلم العالم بأسره.
- هذه الثنائية في المشاعر تجسد مدى عمق العلاقة بين الشاعر وعيني محبوبته، حيث تتحول العيون إلى مرآة تَعرض مشاعر الحبيب، وتنعكس على الشاعر.
- كذلك، في شعر قيس بن الملوح (مجنون ليلى)، نجد أن العيون تشكل رمزًا للحب المكلوم، حيث يتحدث عن نظرة محبوبته بأنها تؤثر فيه بشكلٍ يفوق ما يمكن للكلمات أن تبوح به. يقول قيس:
وما لعيونك في القلب إلا وقْعٌ، تسكن في دمي، وتبقى بقلبي شجونُ.
- هنا نلاحظ أن العينين تحظيان بمكانة خاصة، حيث عدّ السبب الرئيسي في معاناة العاشق، مما يعكس التصور الذي تبنّاه الشعراء العرب عن العيون كقوة خارقة تكمن فيها سرّ الجمال والعاطفة. [2]
3-العيون في شعر الحزن والفقد
- لم تقتصر رمزية العيون في الشعر العربي على الحب والغزل، بل ارتبطت أيضًا بالحزن والفقد.
- في كثير من القصائد، يتم تصوير العيون كمصدر للألم أو كمرآة تعكس المعاناة العميقة للنفس. وتُصبح العيون في هذا السياق شاهدة على فاجعة أو لحظة من الخيبة.
- في شعر محمود درويش، نجد أنه في العديد من قصائده يربط بين العيون والحزن الناتج عن الفقد والشتات، خصوصًا في قصائده التي تتناول قضية فلسطين.
- في قصيدته الشهيرة، يقول:
عيونك.. وطنٌ ضائعٌ في المدى، وسرابٌ في غياهب الألمِ.
- هنا نجد أن العيون تُحمل معاني الحزن العميق والفقدان، فهي “وطن ضائع” و”سراب في غياهب الألم”، مما يعكس البعد الرمزي لهذه الأعضاء في التعبير عن معاناة الشاعر، فهي تسجل الخيبات المتوالية، وتعكس حالة الألم الناجم عن فقدان الأمل. [3]
4-العيون كأداة للتواصل الصامت
- تتميز العيون في الشعر العربي بأنها أداة تواصل صامتة بين المحبين، حيث يمكن لنظرة واحدة أن تفي بالغرض في إيصال المشاعر والأفكار دون الحاجة للكلمات.
- هذا التبادل الصامت بين العيون يعكس أحيانًا مفاهيم التفهم والانسجام بين الحبيبين.
- في كثير من القصائد، نجد أن الشاعر لا يحتاج إلا لنظرة من المحبوب ليعرف مشاعره، وتصبح العيون بذلك لغة ذات دلالة قوية.
- في شعر جبران خليل جبران، نجد مقولة شهيرة له تقول
- : “أصدق من الكلام، هي العيون”. هذه العبارة تعكس الفكرة نفسها، حيث عدّ العيون لغة تفهمها القلوب، ولا يحتاج المرء للكلمات للتعبير عن مشاعره الحقيقية.
- العيون تصبح أداة تعبير قوية وصادقة أكثر من أي كلام.
5-العيون في التعبير عن الغيرة والشك
- أحيانًا يتم أستخدام العيون في الشعر العربي للإشارة إلى مشاعر الغيرة أو الشك.
- إن النظرة الحادة أو اللوم الذي يظهر في العينين قد يعبّر عن توتر العلاقة أو عن شكوك الطرف الآخر. ويرى الشعراء أن العيون، حينما تكون مليئة بالحزن أو التحدي، تصبح مرآة للشعور بالظلم أو الخيانة. [4]
- في شعر فاروق جويدة، نرى كيف أن العيون يمكن أن تكون مليئة بالعتاب والشكوك:
نظرتُ في عينيكِ فوجدتُ الألَم، وتساءلتُ هل في قلبكِ من شكوى؟
- العيون هنا تعكس شكوى داخلية، تحمل هموم الحبيب وآلامه التي لا يُستطاع التعبير عنها بالكلمات.
6-العيون: بين الحقيقة والرمزية
- عند دراسة دور العيون في الشعر العربي، سنلاحظ أن العديد من الشعراء استخدموها في جانب رمزي أكثر من وظيفتها الظاهرية.
- أصبحت رمزًا للغموض أو خيبة الأمل، وهي في الأساس منفذ للمشاعر المكبوتة.
- في قصيدة شهيرة لابن الفارض يرى فيها الشاعر في عيني محبوبته سحرًا لا يقاوم يعكس في جوهره جمالًا روحيًا وضميرًا عميقًا “عيناك، لا تحتاجين إلى مقام فيه جمال أمضي من السهام”
- هنا نجد أن العيون تتحول إلى سر لا يمكن إخفاؤه، وتظهر الجمال الذي لا يمكن للزمن أن يخفيه أو يمحوه. [5]
وختامًا، تبقى لغة العيون من أعظم اللغات التي عرفها الإنسان، فهي لغة صادقة عميقة لا تحتاج إلى حروف أو كلمات، إنها لغة القلب، معبراً عن كيانه الداخلي بكل شفافية وصدق.
المراجع
- جريدة القبس العيون في شعر الحب والغزل_بتصرف
- Elaph لعيونك في القلب إلا وقْعٌ، تسكن في دمي، وتبقى بقلبي شجونُ_بتصرف
- جريدة الرياضالعيون في شعر الحزن والفقد_بتصرف
- جريدة الجزيرة العيون في التعبير عن الغيرة والشك_بتصرف
- جريدة الدستور العيون: بين الحقيقة والرمزية_بتصرف