فتح مصر: بداية الحكم الإسلامي

فتح مصر عام 641م (21هـ) يعد من أبرز الأحداث التي غيرت مسار التاريخ الإسلامي. إذ لم يكن مجرد توسع جغرافي. بل تحول حضاري واقتصادي ضخم عزز مكانة الدولة الإسلامية. بالتالي فمصر كانت مركز زراعي واستراتيجي للإمبراطورية البيزنطية. وفتحها مثل خطوة استراتيجية لتحقيق الاستقرار والازدهار. جاء فتح مصر بإشراف عمرو بن العاص وبدعم من عمر بن الخطاب. مستلهم وصية الرسول بأهلها خير.

الخلفية: مصر تحت الحكم البيزنطي

قبل فتح مصر كانت البلاد خاضعة للحكم البيزنطي (الروماني الشرقي). الذي ورث السيطرة عليها من الإمبراطورية الرومانية القديمة. بالتالي كانت مصر تمثل إقليم حيوي للبيزنطيين. لكن حكمهم اتسم بالاضطراب السياسي والاضطهاد الديني للكثير من سكانها الأصليين.

الشقاق الديني والسياسي

عانى الأقباط المصريون (أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) من اضطهاد شديد من قِبل الكنيسة البيزنطية الرسمية التي كانت تتبع مذهب خلقيدونية. بينما كان الأقباط يتبعون المذهب اليعقوبي (أو المونوفيزية). هذا الشقاق الديني عمل حالة من السخط الشعبي والرغبة في التغيير. لم يكن المصريون يشعرون بالانتماء الكامل للحكم البيزنطي الذي كان يفرض عليهم ضرائب باهظة ويعاملهم كأتباع درجة ثانية. هذا الوضع هيأ الأرضية لتقبل قدوم قوة جديدة يمكن أن تحقق لهم قدر أكبر من التسامح الديني والعدل الاقتصادي، وهو ما وفرته لهم طبيعة فتح مصر الإسلامي.

الموقع الاستراتيجي

كانت مصر بالنسبة للبيزنطيين خزينة العالم ومركز تجاري رئيسي. السيطرة على مصر كانت تعني السيطرة على البحر الأحمر وشرق المتوسط، وتأمين الإمدادات الغذائية للبيزنطيين في القسطنطينية. لذلك كان فتح مصر هدف استراتيجي للإسلام يهدف لضرب أهم مصادر قوة عدوه.[1]

القائد: عمرو بن العاص

كان عمرو بن العاص أحد دهاة العرب وقادتهم البارزين. هو مهندس عملية فتح مصر فجاءت فكرة الفتح بعد إكمال السيطرة على الشام. وكان عمرو بن العاص يرى أن مصر هي البوابة الحقيقية لمد نفوذ الإسلام وغنى الدولة.

إقناع عمر بن الخطاب

لم يكن القرار سهل حيث كان الخليفة عمر بن الخطاب متردد في البداية. خوفاً على سلامة الجيوش التي ستخوض معركة في أرض غريبة. لكن عمرو بن العاص استطاع إقناع الخليفة بأهمية مصر الاستراتيجية وضرورتها لدعم الدولة الإسلامية اقتصادي. لقد كان يرى أن الأمن الكامل للشام لا يمكن أن يتحقق إلا بالسيطرة على مصر. وقد وثق التاريخ كلمة الخليفة عمر بن الخطاب التي تعكس هذا التردد والحذر والحرص على فتح مصر: ماذا قال عمر بن الخطاب عن فتح مصر؟ بعدما أرسل الإمدادات والتعليمات لعمرو بن العاص. قال: “والله إنكم لفيما أحِب لكم فاحذروا أن يكون ما أحِب لكم سبب لهلاككم”. هذه الكلمات عكست الترقب وأهمية المهمة.

خطة السير والعبقرية العسكرية

قام عمرو بن العاص بوضع خطة جريئة. انطلق بجيش صغير نسبياً (حوالي 4000 مقاتل) في البداية من فلسطين (قيصرية غزة) متجه نحو العريش ثم الفرما. ما هو خط سير عمرو بن العاص لفتح مصر؟ سار عبر شمال سيناء. ثم إلى القنطرة (الفرما) فبلبيس ثم أم دنين وصولاً إلى الهدف الأهم وهو حصن بابليون المنيع في قلب الدلتا (بالقرب من القاهرة الحالية). علاوة علي ذلك هذه الخطة العبقرية تجنبت الاصطدام المباشر بالقوات البيزنطية الكبيرة في البداية، واعتمدت على سرعة الحركة واستقطاب الدعم المحلي.[2]

معركة حصن بابليون

يعد حصن بابليون النقطة الفاصلة والحاسمة في عملية فتح مصر. كان الحصن قلعة ضخمة ومحصنة بشدة. تقع في موقع استراتيجي تتحكم في مدخل الدلتا وطريق النيل.

صمود ومفاوضات

حاصر عمرو بن العاص الحصن لعدة أشهر (بعض الروايات تشير إلى سبعة أشهر). كانت فترة عصيبة شهدت قتال متقطع ومفاوضات مستمرة. بالتالي قد شاركت في هذا الفتح القبائل التي شاركت في فتح مصر من مختلف أنحاء الجزيرة العربية (وخاصة قبيلة عك والأزد وكندة ومذحج). مؤكدة على وحدة المسلمين وتعبئتهم للجهاد. بينما كانت المعركة ضد الإرهاق والجوع واليأس قبل أن تكون ضد الجند البيزنطيين.

الاستسلام والتأمين

انتهى الحصار باستسلام القائد البيزنطي المقوقس. بعد أن رأى إصرار المسلمين وعزيمتهم. تم توقيع معاهدة الإسكندرية عام 641 م التي ضمنت خروج البيزنطيين من مصر وتأمين الأقباط على حياتهم وكنائسهم مقابل دفع الجزية (وهي ضريبة كانت سائدة في العصور الوسطى). هذا الاتفاق حقق الأمن والاستقرار. بالتالي لبى وصية النبي: ماذا قال الرسول عن فتح مصر؟ ووصية الخليفة عمر ماذا قال عمر بن الخطاب عن فتح مصر؟ بتأمين أهلها.

تأسيس مدينة الفسطاط

بعد الانتصار كان على القائد عمرو بن العاص إنشاء عاصمة إدارية جديدة تتناسب مع الدولة الإسلامية. كذلك بدل من استخدام الإسكندرية (العاصمة البيزنطية) التي كانت بعيدة عن الحجاز وقد تتعرض لهجوم بحري.

القرار الاستراتيجي

قرر عمرو بن العاص تأسيس مدينة الفسطاط في موقع قريب من حصن بابليون. قيل إن سبب اختيار الموقع يعود إلى أن طائره (الفسطاط) كان قد حط في هذا المكان قبل التوجه لفتح الإسكندرية. فأمر عمرو بن العاص ببناء المسجد والمدينة حول هذا المكان. ما هو خط سير عمرو بن العاص لفتح مصر؟ كان قد حدد هذه المنطقة كنقطة استراتيجية للتحكم في الوادي والدلتا.

المدينة الجديدة

أصبحت الفسطاط (التي تطورت لاحقاً لتصبح القاهرة القديمة) مركز إداري وعسكري للدولة الإسلامية في مصر. بني فيها مسجد عمرو بن العاص. الذي يعتبر أول مسجد في أفريقيا ومنارة للعلم والفقه. كذلك تحولت الفسطاط بسرعة إلى مركز حضاري وتجاري نشط. ورمز لبداية الحكم الإسلامي الذي لم يكن مجرد احتلال بل تأسيس لحاضرة جديدة.

إن فتح مصر كان له نتائج بعيدة المدى

• التحول الاقتصادي: أصبحت مصر المصدر الرئيسي للحبوب والغلال للخلافة الإسلامية. مما عزز قوة الدولة الاقتصادية ودعم جيوشها.
• الاستقرار الديني: حصل الأقباط على قدر كبير من التسامح الديني والحرية في ممارسة شعائرهم. وإنهاء الاضطهاد البيزنطي. وهو ما كان له أثر بالغ في تقبلهم للحكم الجديد.
• التوسع الجغرافي: تحولت مصر إلى قاعدة انطلاق لـ القبائل التي شاركت في فتح مصر لاستكمال الفتوحات نحو الغرب باتجاه شمال أفريقيا والمغرب العربي.
• تغير ميزان القوى: أدى الفتح إلى إضعاف الإمبراطورية البيزنطية وحرمانها من أهم مورد مالي وغذائي. مما مهد لسقوطها لاحقاً.

آثار الفتح على الحضارة الإسلامية

لم يكن فتح مصر مجرد نجاح عسكري بل كان إضافة لا تقدر بثمن للحضارة الإسلامية ككل. أصبحت مصر نقطة التقاء ثقافية وفكرية كبرى.

مركز للعلم والثقافة

بعد فتح مصر لم تكتفي الدولة الإسلامية باستغلال مواردها. بل استوعبت تراثها العلمي والحضاري الغني. أصبحت الفسطاط ثم القاهرة لاحقاً. منارات للعلم والفقه والطب والهندسة. علاوة علي ذلك امتزجت الحضارة الإسلامية الجديدة بالتراث الفرعوني والهلينستي والقبطي القديم. ازدهرت المدارس والمكتبات والمؤسسات العلمية، بينما ساهم علماء مصر في تطوير علوم الفلك والرياضيات. إن القبائل التي شاركت في فتح مصر لم تأت لتهدم بل لتضيف وتؤسس.

انطلاق الحضارة البحرية

السيطرة على سواحل مصر وموانئها المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط. بالإضافة إلى ما هو خط سير عمرو بن العاص لفتح مصر. ضمنت للإسلام سيادة بحرية مكنت من توسيع شبكة التجارة والاتصال الثقافي مع الهند والشرق الأقصى، وهو ما كان له أثر حاسم في نمو الحضارة الإسلامية وازدهارها في العصور الوسطى. إن الإنجاز العسكري في فتح مصر تحول إلى قاعدة انطلاق لحضارة عالمية.

في الختام يظهر فتح مصر عبقرية القائد عمرو بن العاص. وحكمة الخليفة عمر بن الخطاب. وإرادة القبائل التي شاركت في فتح مصر. وقبل كل شيء، استجابة المصريين لنداء التسامح والعدل. إن الفتح لم يكن بداية لحكم سياسي جديد فحسب. بل كان نقطة انطلاق لحضارة عظيمة. إن الإجابات على “ماذا قال الرسول عن فتح مصر؟” و”ماذا قال عمر بن الخطاب عن فتح مصر؟” لم تكن مجرد نبوءات. علاوة علي ذلك  كانت توجيه لإقامة حكم رشيد اتسم بالعدل والتسامح. وهو ما مهد الطريق لمصر لتصبح “أم الدنيا” ومركز عالمي للإشعاع الثقافي والفكري الذي لا يزال صداه يتردد حتى اليوم.

الأسئلة الشائعة 

س: ما هي القبائل التي شاركت في فتح مصر؟

ج: كانت بشكل رئيسي من قبيلة عك والأزد وقبيلة كندة ومذحج. علاوة علي ذلك قبائل أخرى من الجزيرة العربية. بينما جاءت هذه القبائل لدعم عمرو بن العاص في تنفيذ خطة فتح مصر.

س: ماذا قال الرسول عن فتح مصر؟

 ج : قال: “إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فاستوصوا بأهلها خير فإن لهم ذمة ورحما”. مشدد على معاملة أهلها بالتسامح والعدل.

س: ماذا قال عمر بن الخطاب عن فتح مصر؟

 ج:  كان تعبير عن حذره ودعمه فوثق له قوله: “والله إنكم لفيما أحب لكم. فاحذروا أن يكون ما أحب لكم سبب لهلاككم”. مما يعكس إدراكه لأهمية وأخطار فتح مصر.

س: ما هو خط سير عمرو بن العاص لفتح مصر؟

ج:  بدأ من قيصرية (فلسطين) مروراً بالعريش والفرما (القنطرة). ثم بلبيس وصولاً إلى أم دنين وحصار حصن بابليون. ثم الاتجاه شمالاً لفتح الإسكندرية.

• britannica Egypt’s role in the Byzantine Empire بتصرف
• shiacentral Amr b. al-’Aas strips for his life بتصرف

مشاركة المقال

وسوم