ليوناردو دافنشي: عصر النهضة

ليوناردو دافنشي هو واحدًا من أعظم عباقرة عصر النهضة، فقد جمع بين الفن والعلم والهندسة في شخصية واحدة استثنائية. اشتهر بلوحاته الخالدة مثل الموناليزا والعشاء الأخير، كما قدّم ابتكارات وأفكارًا سبقت عصره في مجالات متعددة. في الواقع، لم يقتصر إبداع دافنشي على اللوحات الفنية التي أسرّت العالم بجمالها وغرابتها. بل امتد ليشمل دراسات عميقة في علم التشريح البشري، والملاحة، والطيران، وعلم النبات.
سيرة ليوناردو دا فينشي

من هو ليوناردو دافنشي ولد ليوناردو دافنشي. في فينسا لأبوين لم يصرّا على عقد زواج شرعي. كان والده، سير بييرو، يمتهن المحاماة وتولي العدل، أما أمه كاترينا فكانت من طبقة الفلاحين. أمضى الطفل أوائل أيامه إلى جانب أمه، ثم مع بلوغه الخمس سنوات انتقل إلى منزل والده حيث نشأ تحت رعايته. حصل على تعليم أساسي محدود شمل القراءة والكتابة والحساب، ثم عندما وصل إلى الثلاثين من عمره انغمس بجد في دراسة الرياضيات والهندسة والعلوم العددية. ظهرت ميوله الفنية في سن الخامسة عشرة،
وعند ملاحظة والده لهذه الموهبة قام بإحالته إلى الرسام أندريا ديل فيروشيو. فأستقبل في ورشة الفنان وتلقى تدريبًا مكثفًا في النحت والميكانيكا والفنون التقنية. في عام 1472. وبعمرٍ لا يتجاوز العشرين، انتخب عضواً في نقابة الرسامين بفلورنسا، ثم انصرف في 1481 إلى مسارٍ مستقل أبدى فيه رسومات تقنية تتناول المضخات والأسلحة والآلات الميكانيكية. ما يؤكد شغفه العميق بالابتكارات التقنية طوال حياته. انتقل في 1482 من فلورنسا إلى ميلانو للعمل تحت رعاية دوق المدينة، وبقي هناك سبعة عشر عاماً؛ سجِّل في سجلات العائلة المالكة كرسام ومهندس للدوق. وحظي باحترام واسع نظراً لخبرته في الهندسة المعمارية والعمليات العسكرية. [1]
تعرف أيضًا على: عبد المجيد عبد الله: صوت الإحساس في الأغنية الخليجية
ما الذي اخترعه ليوناردو دافنشي؟
مقياس سرعة الريح
شغف بالطيران والتحليق في الفضاء ألهمه لابتكار المرياح. وهو الجهاز الذي يقيس سرعة الريح ويستعمل الآن على نطاق واسع في المطارات. وعلى الرغم من أن دافنشي لم يصنّع المرياح فعليًا، فقد قام بتعديل وتطوير الاختراع الذي وضعه زميله ليون باتيستا، مما جعله أبسط وأكثر دقة في قياس السرعة.
جهاز الطيران
المجال الذي استحوذ على أولوية اهتمام فنان عصر النهضة العملاق هو الطيران والتحليق في السماء، وقد سحر دافنشي لفكرة أن يطير البشر كما الطيور. من أشهر اختراعات ليوناردو دافنشي كان جهاز الطيران، وقد كشفت مخططاته له عن قوة ملاحظته وغنى مخيلته. استلهم الفنان والمهندس أفكاره من سلوك الطيور وحركة أجنحتها التي سعى دومًا لتقليدها. وفي ملاحظاته أشار بوضوح إلى طيران الوطاويط والطائرات الورقية والطيور كمصدر إلهام له.
الهليوكوبتر
أنتج أول نموذج لطائرة هليكوبتر في عام 1940، غير أن رسومات ليوناردو دافنشي التي تعود إلى منتصف القرن الخامس عشر مهدت لظهور هذا النوع من الآلات. توضح المخططات والدفاتر التي حافظت عليها المتاحف مدى وضوح تصور الفنان للآلية، لا سيما فكرة المروحة الرأسية السمتية التي تدور لترفع الجسم المعدني الثقيل عن الأرض وتمنحه القدرة على التحليق. وصفت رسوماته أن هذا الاختراع يشبه لولبًا يتحرك صاعدًا من رأسه إلى السماء.
العجلة المدرعة
الدبابة المصممة على يد دافنشي قبل ما يقارب خمسة قرون من ظهور الدبابات الحديثة كانت تتمتع بقدرة على التحرك في كل الاتجاهات، وتحمل مجموعة واسعة من الأسلحة، شملت مدافع خفيفة مثبتة على منصة دائرية متحركة على عجلات، وتستطيع الدوران بزاوية 360 درجة. وعلى غرار درع السلحفاة، كان ظهر المركبة يقيها من النيران. كما أضيفت في أعلى الدرع نوافذ رؤى لتسهيل تعديل القذيفة وتحريك المركبة، وهو ما يطلق اليوم في الدبابات المعاصرة اسم الزلف. كان يتم دفعها يدويًا من قبل ثمانية رجال داخلها يديرون عتلات تدفع المركبة إلى الأمام أو الخلف أو أي اتجاه آخر.
مظلة الهبوط
في منتصف القرن الخامس عشر، وضع ليوناردو دافنشي. رسومات لتصميم مظلة هبوط وأرفقها بالشرح التالي: إذا كان للإنسان خيمة مصنوعة من الكتان، تغلق جميع فتحاتها، ويبلغ عرضها (قرابة 23 قدمًا) وعمقها (حوالي 12 قدمًا)، فسيتمكن من القفز من أي ارتفاع عالي دون أن يتعرض لأذى.
تعرف أيضًا على: كوكب الشرق أم كلثوم: أيقونة الفن العربي
لوحات ليوناردو دا فينشي
لوحة العشاء الأخير
هذه القطعة تمثل جداريةً هائلةً من عمل ليوناردو دا فينشي الفني. صاغها بين عامي 1495 و1498، فرِشَت على جدار صالة الطعام في دير الدومينيكان سانتا ماريا ديلي غراتسي بمدينة ميلانو الإيطالية. ارتكز عمله على أسلوب النهضة المبكر، ما يمنح الناظر انطباعًا أن الغرفة المصوَّرة هي جزء فعلي من الصالة داخل الدير، وتعيد رواية قصة العشاء الأخير عندما اجتمع يسوع المسيح بتلاميذه قبيل صلبه بيوم واحد، نتيجةً لوشاية أحدهم أمام اليهود. تظهر اللوحة صالةً طعامًا بطاولة مستطيلةٍ واسعة، يتوسطها المسيح محاطًا بإحدى عشر مَيِّزًا من التلامذة، موزعين إلى أربع مجموعات؛ مجموعتان على يمينه ومجموعتان على يساره.
وهو توزيع يحمل رموزًا مستمدة من الإنجيل. استغرق الفنان نحو ثلاث سنوات لإتمام العشاء الأخير، لكنّ اللوحة بدأت تتدهور مع مرور السنين، وخضعت لسلسلة من عمليات الترميم حفاظًا عليها؛ بعضها لم يستفد منه بل أضاف ضررًا. في الأصل اختار ليوناردو دافنشي. طلاء التمبرا مع الزيت، وصنعها من الجص الجاف، وهي مواد لم تَدم طويلاً. اليوم لا تزال اللوحة موجودة في مكانها داخل الدير، وتم تثبيتها بأحدث تقنيات الحفظ للحفاظ على ما تبقى منها.
لوحة عذراء الصخور
تتوافر من هذه اللوحة نسختان؛ نسخة تعرض في متحف اللوفر بباريس والأخرى في المعرض الوطني بلندن. تتشابه النسختان في الفكرة العامة، إلا أن هناك فروقات طفيفة في تفاصيلهما. يؤكد المؤرخون أن نسخة اللوفر هي الأقدم، حيث تقَدر بعودتها إلى الفترة ما بين 1483‑1486، بينما تَرجَع النسخة اللندنية إلى ما قبَل عام 1508 تقريبًا. تجسِّد اللوحة مريم العذراء جالسة على الأرض. وهي تمسك بطفل يوحنا المعمدان بيدها اليمنى، بينما يلتفت الطفل نحو الصبي الذي يرمز إلى المسيح، فالمسيح يبارك يوحنا. هناك شخصية أخرى يحتَمل أنها ملاك تشير إلى يوحنا وتنظر إليه. الخلفية تظهر مشهدًا طبيعيًا ساحرًا يضم صخورًا وجداول، وقد وصِف بأنها تشبه جبال الدولوميت في شمال شرق إيطاليا، أما الأمام فَتزَخْرَف بأزهار ونباتات متنوعة.
لوحة القديس يوحنا المعمدان
من لوحات ليوناردو دافنشي المشهورة. انشأها في الفترة ما بين 1513 و1516. وتعد الأخيرة ضمن أعماله، وهي عمل زيتي منفذ على لوح من الجوز، وتعرض الآن في متحف اللوفر بباريس. تصور الصورة يوحنا المعمدان وهو في شبابه يبتسم ويشير بيده اليمنى إلى السماء، وقد فسِّر هذا الإشارة على أنها دلالة على الإنقاذ عبر المعمودية. وقد ارتبطت هذه الحركة بالغموض، حيث أضيفت إليها معانٍ غير دينية وربما رمزية خفية. ويتجدد هذا الغموض في ابتسامة يوحنا التي تشبه ابتسامة الموناليزا وابتسامة القديسة آن؛ والدة مريم في لوحة العذراء والطفل مع القديسة آن. [2]
تعرف أيضًا على: مودل روز
هل الموناليزا هي دافنشي؟
لا، الموناليزا هي لوحة فنية وليست شخصاً، وهي من أشهر لوحات ليوناردو دافنشي. تظهر اللوحة بورتريه لسيدة تدعى ليزا ديل جيوكوندو. وقد رسمها دافنشي بين عامي 1503 و1519 في فلورنسا وفرنسا.
الموناليزا تعدّ إحدى روائع الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي. استخدم فيها أسلوبٌ فريد يجمع بين عرض الوجه من الجانبين الأمامي والجانبي، مما أضفى على العمل بعداً ثلاثياً بسيطاً وساعد على إظهار تفاصيلها بوضوح أكبر. لهذا السبب تصنَّف من أروع اللوحات عبر العصور إلى يومنا هذا. بدأ ليوناردو دافنشي تنفيذ هذه اللوحة عام 1503 وأتمّها تماماً في عام 1510. يبلغ ارتفاعها نحو 77 سم وعرضها 53 سم، ومع ذلك تعدّ صغيرة نسبياً مقارنةً باللوحات الأخرى في ذلك الوقت. اليوم تحتفظ بها في متحف اللوفر بباريس، عاصمة فرنسا. ظل سر هوية السيدة المرسومة في لوحة الجيوكاندا غير مكشوف حتى الآن، ولا أحد يمكنه تحديد هويتها بدقة.
فبينما يزعم البعض أنها والدته، يعتقد آخرون أنها نتاج خيال الفنان أو امرأة عابرة ألهمته. ومن ناحية أخرى، يدعم بعض المؤرخين فكرة مختلفة تماماً؛ فالعالم الإيطالي جوزيبي بالانتي قضى نحو خمسة وعشرين عاماً في البحث عن أدلة حول الموناليزا، متتبعاً سجلات الزواج والوثائق المعاصرة، ليتوصل إلى أن المرأة كانت شخصية حقيقية عاشت جنب ليوناردو وتعرفت عليه جيداً. وكانت زوجة لتاجر الحرير الإيطالي «فرانسيسكو ديل جيوكوندو». الذي كان على صلة وثيقة مع الرسام. تروى القصة أن فرانسيسكو كان صديقًا مقربًا لليوناردو، فطلب منه أن يرسم لوحه لزوجته.
تعرف أيضًا على: سيرة هند القحطاني حضور دائم بين التأثير والانتقاد
أسرار لوحة الموناليزا
وقد نفذ دافنشي الطلب، لكن الغريب أن فرانسيسكو لم يستلم اللوحة بعد ذلك. على الرغم من وجود وثائق تثبت أن الموناليزا كانت معروفة لدى ليوناردو. إلا أن هذه الأدلة لا تؤكد أن السيدة الظاهرة في اللوحة هي نفسها، ولا توجد إشارة قاطعة حتى الآن، لذا لا يزال الجدل قائمًا حول هويتها الحقيقية.
وأهم ما يميز اللوحة عن غيرها هي الابتسامة الغامضة التي تزين وجه الموناليزا، ولا يزال تفسيرها محاطًا بالغموض حتى اليوم، رغم تعدد النظريات. فبعض الباحثين يرونها كابتسامة والدتها، وآخرون يعتقدون أنها تعكس مشاعر الموناليزا المعقّدة في تلك اللحظة، بينما يقترح البعض أن ليوناردو استعان بمهرّج لتبقى السيدة مبتهجة طوال الوقت.
لكن هذا ليس السبب الوحيد لتميز اللوحة؛ فقد كان الأسلوب الفريد الذي اتّخذه ليوناردو في رسمها غير مألوف في عصره، إذ اعتاد الفنانون في ذلك الوقت إظهار الوجوه من زاوية واحدة فقط. ما يجعل العمل يبدو مسطحًا بلا حياة، بينما أظهر دافنشي تجسيمًا أوليًا ثم قلدته لاحقًا رسامون بارزون مثل رافائيل.
كما تعدّ الموناليزا أول لوحة تستَخدم فيها تقنية الضبابية؛ ففيها لا تظهر ملابس السيدة خطوطًا واضحة، بل تتداخل ألوانها لتشكّل المظهر المطلوب، وهو ما كان مخالفًا للأساليب السائدة آنذاك. وعند النظر إلى الخلفية، نلاحظ اتباع ليوناردو لمبدأ المنظور لتوليد إحساس بالعمق وتجسيم الخلفية بدلاً من إظهارها مسطحة، فكلما ارتفعت المسافة كلما ازدادت الضبابية والغموض في تفاصيلها.
تعرف أيضًا على: عادل الجبير: صوت السياسة الخارجية السعودية
ما سبب وفاة ليوناردو دافنشي؟
فارق ليوناردو دافنشي الحياة في الثاني من مايو عام 1519، وكان عمره حينها نحو سبعة وستين عاماً. سبب وفاة ليوناردو دافنشي. هي سكتة دماغية، حيث تعرض لسكتات دماغية متتالية أدت إلى وفاته عن عمر يناهز 67 عامًا في قصر كلو لوسي عام 1519، بعد أن انتقل إلى فرنسا بدعوة من الملك فرانسيس الأول. يذكر أن فرانسيس الأول صدم بخبر وفاته في سان جيرمان فأطلق صرخةً عالية. تم دفنه وفقاً لوصيته داخل كنيسة سانت فلورنسا، وبعد خمسين سنة انتهك قبره وتفرقت بقاياه جراء الاضطرابات التي نتجت عن الصراع الديني بين الكاثوليك والمسيحيين في فرنسا. ومن أقواله الشهيرة ما قاله: «نعم، كلّ ليلة أخلد إلى النوم وأنا فرح، لأنني عشت حياةً جميلة في سعادة الموت.
تعرف أيضًا على: فايز المالكي: فنان الكوميديا والرسالة الإنسانية
في الختام، ترك ليوناردو دافنشي. إرثًا فنيًا وعلميًا خالدًا جعله رمزًا للعبقرية الإنسانية والإبداع بلا حدود، فكان بحق شخصية فريدة لا تزال تلهم العالم حتى اليوم.إن أعماله، من الموناليزا إلى العشاء الأخير، ليست مجرد لوحات جميلة، بل هي سجلات فكرية تعكس شغفه بالمعرفة، وتعمقه في فهم الطبيعة البشرية، واستخدامه المبتكر للتقنيات التي سبقت عصره. لقد أثبت دافنشي أن الفن والعلم وجهان لعملة واحدة، وأن الاكتشاف الحقيقي يكمن في ربط الجمال بالمنطق، والإبداع بالتحليل، ليظل اسمه منقوشًا في صفحات التاريخ كواحد من أعظم العقول التي عرفتها البشرية.
المراجع
- National gallery Leonardo da Vinci 1452 - 1519- بتصرف
- Wea 8 famous paintings by Leonardo da Vinci _بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

غاليليو غاليلي: أبو الفيزياء الحديثة

فرديناند ماجلان: أول من دار حول الكرة الأرضية

الفيلسوف ابن سينا: الطبيب وصاحب كتاب القانون في...

الكندي: فيلسوف العرب الأول وأعماله في الرياضيات والفلك

الملكة فيكتوريا: ملكة بريطانيا والعصر الفيكتوري

الملك عبدالعزيز: مؤسس المملكة العربية السعودية

إليزابيث الأولى: ملكة إنجلترا

أمير الشعراء أحمد شوقي

إسحاق نيوتن: مكتشف الجاذبية وقوانين الحركة

أشهر شخصيات نسائية في التاريخ

الفارسي البيروني: عالم مسلم

الرئيس السابق جو بايدن: الرئيس السادس والأربعون للولايات...

العالم الإدريسي: جغرافي مسلم

أرسطو: فيلسوف اليونان والمعلم الأول
