مؤتمر يالطا: رسم ملامح ما بعد الحرب الثانية

عناصر الموضوع
1- ما هو مؤتمر يالطا؟
2- الأطراف المشاركة وأهدافهم
3- تقسيم ألمانيا وأوروبا
4- نقطة انطلاق الحرب الباردة
5- رؤية العرب للمؤتمر
في قلب الحرب العالمية الثانية، اجتمع القادة العظام في مؤتمر يالطا لرسم مستقبل العالم. كان روزفلت, ستالين, وتشرشل هم أبطال اللحظة، حيث ناقشوا تقاسم النفوذ، وبذور الحرب الباردة بدأت بالظهور في الأفق، مشكلين نظامًا عالميًا جديدًا لا تزال آثاره واضحة حتى اليوم.
1- ما هو مؤتمر يالطا؟
مؤتمر يالطا، المعروفة أيضاً باتفاقية يالطا، هي الاتفاقية التي وُقعت بين الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين، والمملكة المتحدة بقيادة تشرتشل، والولايات المتحدة بقيادة روزفلت. أُبرمت هذه الاتفاقية في مدينة يالطا السوفيتية، الواقعة على سواحل البحر الأسود، في الفترة من 4 إلى 11 فبراير عام 1945. ناقش المؤتمر مسألة تقسيم ألمانيا، وكيفية محاكمة قيادات الحزب النازي واعتبارهم مجرمي حرب، بالإضافة إلى مسألة تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق، وهو ما كانت تريده بريطانيا والولايات المتحدة، أي مع إضافة فرنسا، أم إلى ثلاث مناطق كما أراد الاتحاد السوفيتي، وكذلك تقسيم مدينة برلين بنفس الطريقة التي قُسمت بها ألمانيا.
الغاية من هذا المؤتمر كانت تنظيم فترة السلام التي ستعقب الحرب، ولم تقتصر هذه التنظيمات على تأسيس نظام أمني جماعي فحسب، بل امتدت لتشمل خطة تهدف إلى منح الشعوب المتحررة من النازية الحق في تقرير مصيرها.
عُقد الاجتماع في الأساس لمناقشة إعادة إعمار دول أوروبا التي دمرتها الحرب. ولكن سرعان ما تحول مؤتمر يالطا، على مدار السنوات القليلة اللاحقة، إلى موضوع مثير للجدل، بالتزامن مع اشتعال فتيل الحرب الباردة التي قسمت أوروبا.
وكان مؤتمر يالطا هو المؤتمر الثاني من بين ثلاثة مؤتمرات رئيسية عُقدت خلال الحرب، وعُرفت مجتمعة باسم “الثلاثة الكبار”. سبقه مؤتمر طهران في نوفمبر 1943، وتلاه مؤتمر بوتسدام في يوليو 1945. كما سبقه مؤتمر آخر عُقد في موسكو في أكتوبر 1944، ولم يحضره الرئيس روزفلت، والذي قُسمت فيه أوروبا، من قبل تشرتشل وستالين، إلى مناطق نفوذ غربية وسوفيتية. [1]
2- الأطراف المشاركة وأهدافهم
اجتمع مؤتمر يالطا في فبراير 1945، بوجود ثلاثة من أبرز قادة الحلفاء: الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين. كل منهم أتى للمؤتمر بأجندة محددة، تعكس مصالح دولته وتطلعاتها لمرحلة ما بعد الحرب.
فرانكلين روزفلت (الولايات المتحدة)
كان روزفلت يطمح لتحقيق أهداف رئيسية عدة. بداية، كان يريد ضمان مشاركة الاتحاد السوفيتي في الحرب ضد اليابان، بهدف تسريع إنهاء الحرب في المحيط الهادئ وتقليل الخسائر الأمريكية. ثانياً، اهتم بتأسيس منظمة الأمم المتحدة كهيئة دولية للحفاظ على السلام، وتأمين انضمام السوفييت إليها. ثالثاً، أيد إجراء انتخابات حرة في دول أوروبا الشرقية المحررة، لضمان قيام حكومات ديمقراطية.
ونستون تشرشل (المملكة المتحدة)
ركز تشرشل على حماية مصالح بريطانيا والحفاظ على توازن القوى في أوروبا. كان قلقاً من توسع النفوذ السوفيتي في أوروبا الشرقية، خصوصاً في بولندا، والتي كانت ذات أهمية خاصة لبريطانيا. سعى تشرشل لتأمين إجراء انتخابات حرة في هذه الدول، والحفاظ على استقلالها السياسي.
جوزيف ستالين (الاتحاد السوفيتي)
هدف ستالين كان تأمين حدود الاتحاد السوفيتي عبر إنشاء منطقة نفوذ في أوروبا الشرقية. طالب بالاعتراف بالسيطرة السوفيتية على الأراضي التي ضُمت خلال الحرب، مثل أجزاء من بولندا ودول البلطيق. كذلك سعى للحصول على تعويضات من ألمانيا، وضمان أن تكون الحكومات في الدول المجاورة موالية أو صديقة للاتحاد السوفيتي.
وعلى الرغم من الاتفاقات التي تحققت في المؤتمر، إلا أن التوترات بين الأطراف كانت جلية، بالأخص فيما يتعلق بمستقبل بولندا ودول أوروبا الشرقية. هذه الخلافات كانت إيذاناً ببدء الحرب الباردة التي قسمت العالم إلى معسكرين متنافسين لعدة عقود. [2]
3- تقسيم ألمانيا وأوروبا
في عام 1945 في يالطا اتفق قادة الحلفاء الثلاثة، وهم فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوزيف ستالين، على تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال، تتولى إدارتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا. كما تقرر تقسيم برلين، العاصمة الألمانية، إلى أربع مناطق أيضًا، وذلك على الرغم من وجودها داخل المنطقة السوفيتية. كان الهدف من هذا التقسيم هو منع ألمانيا من الظهور مرة أخرى كقوة عسكرية تهدد السلام العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، ناقش المشاركون في المؤتمر مستقبل أوروبا الشرقية، حيث وافقوا على إجراء انتخابات حرة في الدول التي تحررت. على الرغم من ذلك، استغل الاتحاد السوفيتي هذا الاتفاق لتعزيز نفوذه في المنطقة، مما أدى إلى تأسيس حكومات موالية له في دول مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا. أدى هذا الوضع إلى تفاقم الانقسام بين الشرق والغرب، ومهد الطريق لبدء الحرب الباردة.
ومن المهم الإشارة إلى أن تقسيم ألمانيا وأوروبا لم يكن إجراء مؤقت فحسب، بل أصبح أساس لانقسام طويل الأمد بين المعسكرين الشرقي والغربي. وتجسد هذا الانقسام في بناء جدار برلين عام 1961، واستمر حتى انتهاء الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات. [3]
4- نقطة انطلاق الحرب الباردة
الحرب الباردة هو مصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات.
شهدت هذه الحقبة تنافس محموم بين القوتين العظميين، تجلى في التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي والتكنولوجيا ووسباق الفضاء. استثمرت القوتان بشكل كبير في الدفاع، الترسانات النووية، والحروب بالوكالة – عبر استخدام حلفاء.
وبالرغم من عدم وجود حرب معلنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إلا أنهما انخرطتا في بناء القدرات العسكرية والصراعات السياسية من أجل النفوذ. على الرغم من تحالفهما ضد قوى المحور في الحرب العالمية الثانية، اختلفتا في رؤيتهما لكيفية إدارة مرحلة ما بعد الحرب وإعادة بناء العالم.
انتشرت الحرب الباردة من أوروبا إلى جميع أنحاء العالم. اتبعت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء ومحاربة الشيوعية، وحشدت الحلفاء، خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط. في المقابل. دعم الاتحاد السوفيتي الحركات الشيوعية حول العالم. تحديداً في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
ثم اقتربت الحرب الباردة من نهايتها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. ومع تولي الرئيس الأمريكي رونالد ريغان السلطة، كثفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي. في النصف الثاني من الثمانينيات، طرح الزعيم السوفيتي الجديد ميخائيل غورباتشوف مبادرتي “بيريسترويكا” (الإصلاح الاقتصادي) و”غلاسنوست” (الشفافية والانفتاح). انهار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تاركًا الولايات المتحدة كالقوة العظمى الوحيدة في عالم متعدد الأقطاب. [4]
5- رؤية العرب للمؤتمر

تجاهل عربي في مؤتمر يالطا وسط هيمنة القوى العظمى
في الوقت الذي تجمّع فيه الزعماء الثلاثة في يالطا لترسيم ملامح النظام العالمي بعد الحرب، كانت المنطقة العربية ترصد هذه التطورات بعين القلق والحذر. فقد كانت معظم الدول العربية ترزح تحت نير الاستعمار الأوروبي، ولم يكن لها أي دور فعال في هذا المؤتمر أو في القرارات التي انبثقت عنه. هذا التهميش أثار موجة من السخط العارم في الأوساط العربية، حيث شعر العرب بأن مصيرهم يُقرر دون أخذ آرائهم في الاعتبار أو مراعاة مصالحهم.
القضية الفلسطينية خارج حسابات الزعماء في يالطا
أحد أبرز القضايا التي تجاهلتها مباحثات يالطا كانت القضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي كانت فيه القوى العظمى تناقش مستقبل أوروبا وآسيا. لم يولِ المؤتمر اهتمامًا يذكر لمصير فلسطين. على الرغم من تفاقم التوترات هناك نتيجة للهجرة اليهودية المتزايدة والدعم الغربي للمشروع الصهيوني. هذا التجاهل عمق شعور العرب بأن مصالحهم يتم تهميشها في السياسات الدولية.
فضلاً عن ذلك، كان هناك قلق عربي من تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى. خصوصاً مع صعود الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى. فقد خشيت الدول العربية من أن يؤدي هذا التقسيم إلى تعزيز الهيمنة الأجنبية على المنطقة. سواء من قبل القوى الغربية أو الاتحاد السوفيتي. هذا القلق حفز العديد من الدول العربية على تقوية حركات التحرر الوطني والعمل نحو الاستقلال.
لقاء روزفلت وابن سعود: بداية الاهتمام الأمريكي بالمنطقة
وفي هذا الإطار، يجدر بالذكر أن الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت التقى بالملك عبد العزيز آل سعود في 14 فبراير 1945. بعد أيام قليلة من انتهاء مؤتمر يالطا. هذا اللقاء، الذي عقد على متن البارجة الأمريكية “يو إس إس كوينسي” في قناة السويس. بحث فيه الزعيمان قضايا المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن اللقاء لم يسفر عن قرارات حاسمة. إلا أنه أظهر اهتمامًا أمريكيًا متزايدًا بالمنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالنفط والتحالفات الاستراتيجية.
وبمرور الوقت، أدرك العرب أن غيابهم عن مثل هذه المؤتمرات الدولية الكبرى يؤدي إلى تهميش قضاياهم ومصالحهم. هذا الوعي ساهم في تقوية الحركات القومية العربية والسعي نحو تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية. [5]
وفي الختام. من خلال مؤتمر يالطا, اتخذ روزفلت, تشرشل, وستالين قرارات مصيرية غيّرت وجه العالم. تلك اللحظة لم تكن مجرد اتفاق بل كانت شرارة لبداية الحرب الباردة. وتركت تأثيراً عميقًا على التاريخ السياسي والجغرافي للعالم.
المراجع
- wikipedia ما هو مؤتمر يالطا؟ -بتصرف
- britannica الأطراف المشاركة وأهدافهم -بتصرف
- europe تقسيم ألمانيا وأوروبا -بتصرف
- wikipedia نقطة انطلاق الحرب الباردة -بتصرف
- middle-east-online رؤية العرب للمؤتمر -بتصرف
مشاركة المقال
وسوم
هل كان المقال مفيداً
الأكثر مشاهدة
ذات صلة

الدولة البيزنطية: وريثة روما وحامية المسيحية الشرقية

الجهاد في العصور الوسطى: دفاع عن العقيدة وبناء...

التعليم في العصور الوسطى: من الكتاتيب إلى الجامعات

التاريخ القديم: نظرة شاملة على بدايات الحضارات البشرية

الإمبراطورية الرومانية المقدسة: حلم التوحيد في قلب أوروبا

اكتشف أفضل المتاحف العالمية لعشاق التاريخ

حضارة الإغريق: مهد الفلسفة والديمقراطية والرياضة

نابليون بونابرت: إمبراطور فرنسا الذي غيّر معادلات أوروبا

الثورة الفرنسية: شرارة الحرية التي غيرت وجه أوروبا

الحرب العالمية الأولى: شرارة العصر الدموي الحديث

الثورة الأمريكية: بداية الاستقلال وتأسيس الديمقراطية

الاستقلال في العالم العربي: نهاية الاستعمار وبداية بناء...

ما هي أهم الآثار الإسلامية عبر التاريخ؟

ماهو التاريخ الإسلامي؟ تعريف شامل للمبتدئين
