مي زيادة وأدب الرسائل بين الحنين والتمرد

الكاتب : مريم مصباح
03 أغسطس 2025
عدد المشاهدات : 77
منذ 7 ساعات
مي زيادة
من الذي تزوجته مي زيادة؟
مرض مي زيادة
من هي حبيبة خليل مطران؟
تساؤلات حول قلب مي زيادة: من هي حبيبة خليل مطران؟
مشاعر في الظل: حب بلا تصريح
امرأة لا تُروَّض: استقلال مي العاطفي
صمت مي: علاقة بلا رسائل
حين يتقاطع الأدب بالعاطفة
وفاة مي زيادة
لحظة وفاة مي زيادة: متى توفيت؟
نهاية حزينة لزهرة الصالونات الأدبية
العزلة والكتابة بعد العصفورية
انسحاب مي زيادة من الحياة الثقافية
وداع هادئ لا يليق بسيدة الفكر

مي زيادة، من تكون هذه المرأة التي أسرت قلوب الأدباء وحرّكت وجدان القرّاء؟ إنها ليست مجرد اسم في صفحات الأدب العربي، بل أيقونة فكرية وروحية تركت أثرًا لا يمحى، ومثلت بصوتها القلم الحي لامرأة خرجت من قيود عصرها إلى فضاء العقل والحرية. مي زيادة هي تلك الكاتبة المرهفة التي كتبت، وقرأت، وناقشت، وراوحت دائمًا بين الحنين للماضي، والتمرّد على القيود الاجتماعية والثقافية. نقاشاتها في الصالون الأدبي، ورسائلها العاطفية والفكرية التي خطتها بأناملها الرقيقة إلى أعلام الأدب، مثل جبران خليل جبران، كانت مشبعةً بالتأمل والاشتياق والتحدّي.

من الذي تزوجته مي زيادة؟

على الرغم من جمالها الآسر، وذكائها اللامع، وحضورها الثقافي الطاغي، فإن مي زيادة لم تتزوج أحدًا قط. هذا السؤال المتكرر: من هو زوج مي زيادة؟ ظل يدور في أذهان معجبيها وقرّاء أدبها، بل وحتى زملائها من الأدباء الذين اقتربوا منها دون أن ينالوا منها سوى الاحترام الودود أو الصمت المتأمل. وربما يعود هذا اللغز إلى طبيعة مي الخاصة، تلك المرأة التي قرّرت أن تحتفظ بمسافة بينها وبين العاطفة، حتى وهي تغرق فيها عبر الكلمات.

تعرف أيضًا على: أدونيس والتجريب الشعري في تجديد القصيدة العربية

كانت مي تعيش وسط محيط مليء بالرجال، ولكنها لم تمنح قلبها إلا لرجل واحد فقط، هو جبران خليل جبران. والغريب أن علاقتهما لم تكن علاقة تقليدية يمكن تصنيفها كـ”حب” واضح المعالم. بل كانت أقرب إلى حبٍ أفلاطوني عابر للقارات واللغات، ينمو في رسائل طويلة وأفكار مشتعلة. وعلى مدار عشرين عامًا، تبادلت مي وجبران الرسائل دون أن يلتقيا وجهًا لوجه ولو لمرة واحدة. ومع ذلك، اعتبرها البعض خطيبته الأدبية، والرفيقة الروحية التي لم تفارقه حتى بعد موته.

أما عن باقي رجال عصرها، فقد كان كثير منهم يكن لها الإعجاب، بل الحب الصريح أحيانًا، لكنها لم تبادلهم نفس المشاعر. ومن بينهم الأديب اللبناني المعروف مصطفى صادق الرافعي، والشاعر إسماعيل صبري، وحتى العقاد نفسه الذي قيل إنه حاول التقرب منها، لكنها لم تبدِ تجاوبًا. [1]

مرض مي زيادة

في حياة الأدباء، قد يتسلل الألم إلى قلوبهم عبر الحب، أو الغربة، أو الخسارة… لكن في حالة مي زيادة، كان الألم أكبر من كل ذلك، إذ جاءها في هيئة انهيار عصبي ونفسي غيّر مسار حياتها، وقلب الصورة التي عرفها بها الناس رأسًا على عقب. وقد ارتبط مرضها ارتباطًا وثيقًا بما أطلق عليه لاحقًا جنون مي زيادة، وهو عنوان ثقيل لا يليق بتلك المرأة الرقيقة التي أرهقتها الحياة أكثر مما أرهقها عقلها.

تعرف أيضًا على: الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: أمير قطر في عصر التغيير والنهضة

بدأت ملامح الأزمة تظهر بعد وفاة والدها عام 1929، ثم جاءت الضربة القاضية بوفاة جبران خليل جبران عام 1931، وهو الذي كان يشكل الجزء الأكثر عمقًا واستقرارًا من روحها. وقد تزامنت هذه الخسائر مع اضطرابات في محيطها العائلي، حيث حاول أقرباؤها في لبنان السيطرة على أموالها وميراثها، بل وادعوا أنها فقدت عقلها، وسعوا إلى إدخالها أحد المصحات العقلية بالقوة.

تركت مي وحيدة في “العصفورية” — مستشفى الأمراض العقلية الشهير في بيروت — بعدما اتهموها بأنها أصبحت مختلة، لا تملك القدرة على إدارة نفسها أو أموالها. والغريب أن الكثير من الأطباء الذين عاينوها لم يجدوا فيها علامات الجنون بالمعنى الطبي، بل مجرد آثار حزن عميق وانهيار نفسي نتيجة صدمة الفقد المتراكمة.

ومع ذلك، ظلت تحت الحجز في المصحة لعدة أشهر، حتى أثار بعض الأدباء والإعلاميين العرب القضية، وبدأت حملة دعم واسعة لإنقاذ مي من مصير كانت ترفضه تمامًا. وفعلاً، خرجت من المصحة بمساعدة أصدقاء أوفياء كأمين الريحاني، وأنطوان الجميل، الذين دعموا حقها في الحياة الحرة والكريمة.

تعرف أيضًا على: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: رائد التنمية والإبداع في دبي

اللافت أن هذه التجربة لم تقضِ على مي، بل أعادت تشكيلها. عادت إلى مصر وهي أكثر وهنًا، لكنها أيضًا أكثر صمتًا وتأملاً. لم تعد تلك المحاورة النشطة في صالونها، بل أصبحت تكتفي بكتابات قليلة ونظرات طويلة. كانت الذكرى تقتلها ببطء، وكانت الخيانة العائلية تقضّ مضجعها. لقد تعرّضت للخديعة من أقرب الناس، بعد أن منحوها الحب في الواجهة، وغرسوا في ظهرها الخنجر.

ولذلك، عندما نتأمل ما يعرف بـ جنون مي زيادة، علينا ألا نأخذ الكلمة بمعناها الحرفي. لم تكن مجنونة، بل كانت جريحة. كانت امرأة فقدت أعمدتها دفعة واحدة: الأب، الأم، الحبيب، الوطن. ثم وُضعت خلف الجدران، لا لأنها فقدت عقلها، بل لأنها رفضت أن تفقد كرامتها.

من هي حبيبة خليل مطران؟

تساؤلات حول قلب مي زيادة: من هي حبيبة خليل مطران؟

كثيرًا ما ترددت في الأوساط الأدبية العربية تساؤلات حول العواطف التي جمعت بين بعض رموز النهضة، وحين يطرح سؤال: من هي حبيبة خليل مطران؟، لا يسع المتأمل في المشهد الثقافي العربي في بدايات القرن العشرين إلا أن يفكر في شخصية واحدة ربما كانت الأقرب إلى قلبه وعقله، تلك هي مي زيادة، المرأة التي سحرت جيلًا بأكمله بأدبها وحضورها ورجاحة فكرها.

تعرف أيضًا على: الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: زعيم بصناعة القرار الإقليمي

علاقة خليل مطران ومي: صداقة أدبية أم إعجاب خفي؟

كان خليل مطران، الملقب بشاعر القطرين، شاعرًا فذًا، متدفق العاطفة، صادق الشعور، وقريبًا من دوائر الفكر والسياسة في مصر ولبنان. وقد جمعته مع مي زيادة علاقة خاصة، نشأت في بداياتها من باب الأدب واللغة. ثم تطورت إلى صداقة وثيقة فيها كثير من الاحترام، وربما بعض الإعجاب، أو حتى التعلق العاطفي. لكنه، كما كل الرجال في حياة مي، لم ينل منها سوى فكرها وابتسامتها، وربما جزءًا من صمتها.

مشاعر في الظل: حب بلا تصريح

في رسائله المنشورة ومقالاته، لم يصرح خليل مطران بحب صريح نحو مي، لكنه كتب عنها وعن صالونها الأدبي بإعجاب شديد. وكانت هي بدورها تقدّر حضوره، وتحترم شعره، وتمدحه في كتاباتها. لا توجد وثائق حاسمة تؤكد أنه كان حبيبها، ولكن العديد من الباحثين في تاريخ الأدب العربي رجّحوا أن خليل مطران أحب مي زيادة بصمت، وربما تألم حين لم يجد تجاوبًا منها.

امرأة لا تُروَّض: استقلال مي العاطفي

وقد يقال، إن مي كانت تمثل نموذجًا من النساء يصعب على أي رجل أن يروّضه أو يضعه في إطار تقليدي. فهي لم تكن المرأة التي تنتظر فارسًا، بل كانت هي من تقرر من يستحق أن يدخل عالمها. وإن كانت هناك عاطفة جمعتها بخليل مطران، فقد كانت ضمن حدود لا تتجاوز الذكاء المشترك والاحترام المتبادل.

تعرف أيضًا على: الشيخ زايد بن سلطان ومسيرته في تأسيس الإمارات

صمت مي: علاقة بلا رسائل

ما يزيد هذه العلاقة تعقيدًا هو صمت مي نفسها. فعلى عكس علاقتها بجبران التي وثّقتها الرسائل، لم تعرف مي يومًا بأنها كتبت إلى خليل مطران شيئًا خارج نطاق الأدب والنقد. وربما كانت تحرص على أن تظل هذه العلاقة في منطقة الأمان، خوفًا من أن تفسدها العاطفة أو تشوهها التوقعات المجتمعية.

حين يتقاطع الأدب بالعاطفة

لكن الأدب، كعادته، كان الميدان المشترك الذي جمع بينهما، حيث تقاطعت مشاعرهما بين السطور، وامتزجت أفكارهما في النقاشات. وفي إحدى المناسبات، وصف مطران مي بأنها “زهرة تتفتح في صحراء العقل الشرقي”، وهو وصف يدل على انبهاره بشخصيتها الاستثنائية. [2]

تعرف أيضًا على: يوسف إدريس ولغته التي جسّدت نبض الشارع المصري

وفاة مي زيادة

لحظة وفاة مي زيادة: متى توفيت؟

من أكثر الأسئلة التي تثير الأسى في قلوب محبي الأدب العربي هو: “متى توفيت مي زيادة؟”
فالإجابة ليست فقط تاريخًا جافًا في سجل الوفيات، بل لحظة مفصلية في الوجدان الثقافي العربي، إذ في ذلك اليوم انطفأت شعلة من أنقى وأرقى منابر الفكر والكتابة النسائية. لقد توفيت مي زيادة يوم 17 أكتوبر عام 1941، وهي في السادسة والخمسين من عمرها. بعد سنوات من الوحدة، والخذلان، والمرض، والحنين الذي لم يشفَ.

نهاية حزينة لزهرة الصالونات الأدبية

كانت نهايتها أشبه بنهاية رواية حزينة، بطلتها امرأة كانت يومًا زهرة الصالونات الأدبية، وحبيبة القلوب المفكرة، والمثيرة للجدل والنقاش، والمركز الهادئ لعواصف فكرية أدارتها بعينين حالمتين وقلم لا يلين. ولكن، حين أُغلقت الأبواب من حولها، لم تجد من يمسك بيدها إلا الذكرى، وكتاباتها، وبعض من الأصدقاء الذين لم يتركوها تغرق تمامًا في الظل.

العزلة والكتابة بعد العصفورية

عاشت السنوات الأخيرة من حياتها في القاهرة، وحيدة في شقة متواضعة، بعيدة عن الأضواء التي اعتادت أن تتلألأ فيها. كانت تكتب قليلًا، تقرأ كثيرًا، وتستقبل الزوار على استحياء. ولم تشفَ تمامًا من آثار الأزمة النفسية التي مرّت بها بعد إدخالها مصحة العصفورية في بيروت. ورغم خروجها من المصحة، لم تستعد ذلك البريق القديم الذي كان يشع من عينيها وحديثها ومقالاتها.

تعرف أيضًا على: الفرزدق والوجه الآخر للشعر مرايا القبيلة والذات

انسحاب مي زيادة من الحياة الثقافية

ورغم أن بعض الأدباء والمفكرين زاروها في أيامها الأخيرة، فإنها كانت قد انسحبت تدريجيًا من الساحة الثقافية، وكأنها تنسحب من الحياة نفسها. كانت تؤمن أن من لا يفهم، لا مكان له بين الناس. وقد كتبت في إحدى رسائلها: “الذين أحببتهم، فهموني خطأ… فهل أنا التي فشلت، أم أنهم لم يحاولوا الفهم أصلًا؟”

وداع هادئ لا يليق بسيدة الفكر

عندما توفيت، لم يحتفَ بها كما يليق بسيدة الفكر والبيان. دفنت بهدوء، ومرت أخبار وفاتها على استحياء في الصحف، رغم مكانتها التي لم ينازعها فيها أحد خلال عقود مضت. لكن الأوفياء من الأدباء الحقيقيين، كتبوا عنها بحزن بالغ، ونظموا فيها قصائد رثاء لا تزال تتلى إلى اليوم. منهم من قال: “ماتت من فرط الذكاء، لا من ضعف الجسد.”

وفي الختام في عالمٍ يضج بالضجيج ويضيق بالحرية، ظهرت مي زيادة كصوتٍ منفرد، لا يشبه أحدًا ولا يتكرر. لم تكن مجرد كاتبة أو أديبة. بل كانت ظاهرة فكرية وروحية وثقافية تنبض بالحياة، وتتمرد على القوالب، وتخاطب الوجدان العربي بلغة الحنين الممزوجة بالتمرّد.

المراجع

مشاركة المقال

هل كان المقال مفيداً

نعم
لا

الأكثر مشاهدة